سورة الكهف ومنهج التزكية

 سورة الكهف ومنهج التزكية
(تمهيد مهم)
الحمد لله الذي أنزل القرآن تبيانا وفرقانا...
والصلاة والسلام على من كان يمشي فوق الأرض قرآنا...
أما بعد؛

فعَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ؛ فَقُلْتُ: أَخْبِرِينِي عَنْ خُلُقِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَتْ: " كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ " –صحيح مسند الإمام أحمد-
وقد أثنى الله تعالى على نبيه صلَّى الله عليه وسلَّم فقال: {وَإِنَّكَ لعلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}؛ قال ابن عباس رضى الله عنهما: لعَلَى دِين عظيم لا دين أَحبُّ إِلىّ ولا أَرضى عندى منه وهو دين الإِسلام.
وقال الحسن: هو أَدب القرآن.
وقد سمى الأدب أدبا لأنه يدعو الناس إلى المحامد، وينهاهم عن المقابح، وأصل معنى الأدب: الدعاء؛ ومنه قيل للطعام الذي يصنع لدعوة أو عرس مأدُبة.
يقول ابن القيم: الدين كله خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الدين.
وقال الثورى: من لم يتأدب للوقت فوقته مقت.

أى أن لكل حال من أحوال المرء آداب ينبغي له أن يراعيها حيال وقته، فمتى أهملها  كان وقته وفعله مقتا عليه وخسرانا.
وقيل: الأدب في العمل علامة قبول العمل.
وهو أثقل شىء يوضع في الميزان.

وقال ابن المبارك: لا ينبل الرجل بنَوْعٍ من العلم ما لم يزين علمه بالأدب.
والقرآن كتاب هدى يدعو إلى كمالات الأخلاق ومراقي الآداب، ولابد للمرء أن يتدبر القرآن مستخرجا منه دواء دائه، ولكن قبل أن نستقي منه الأدب والدواء؛ فلابد أن نقبل عليه بالأدب معه وبين يديه؛ فإنه لا سبيل للانتفاع بالقرآن العظيم إلا بالتزام الأدب في التعامل معه ابتداء، لأنه كتاب عزيز، فلا يخلع كراماته إلا على الخاشعين المتأدبين المتبتلين بين يديه.
والأدب مع القرآن ينقسم إلى أدب حين تلاوته، وأدب حين دراسته بَذْلًا وطَلَبًا، وأدب مع أوراقه وصحفه، وأدب مع أهله العاملين به، وهذه الآداب بلا ريب هى أحد العُمُد التي يرفع الله بها أقواما بهذا الكتاب ويضع آخرين. 
فعَنْ قَتَادَةَ قَالَ: لَمْ يُجَالِسْ هَذَا الْقُرْآنَ أَحَدٌ إِلَّا قَامَ عَنْهُ بِزِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ، قَضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الَّذِي قَضَى: {شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: ٨٢].

وهذا بيانُ بعضِ ما يجب على قارئ القرآن من أدابٍ وأحوال أن يراعيها حين تلاوته، وقد قسمتها قسمة يسهل بها استحضارها بإذن الله تعالى؛ فإليك البيان:

الأحوال القلبية:

1.  الإيمان بأن القرآن كلام الله غير مخلوق.
2. أن يمتلئ القلب فرحا بلقاء القرآن، قال الله تعالى: ﴿وَٱلَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ ٱلۡكِتَٰبَ يَفۡرَحُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَۖ﴾ وقال جل وعلا: ﴿فَبِذَٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرٞ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ(٥٨)﴾.
3. أن يمتلئ قلبك محبة للقرآن، لأنه خير صاحب، وأصدق ناصح، وقد قال ابن مسعود «مَنْ أَحَبَّ الْقُرْآنَ فَلْيُبْشِرْ»، وفي الحديث أن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"... وَإِنَّ الْقُرْآنَ يَلْقَى صَاحِبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يَنْشَقُّ عَنْهُ قَبْرُهُ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ. فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ تَعْرِفُنِي؟ فَيَقُولُ: مَا أَعْرِفُكَ فَيَقُولُ: أَنَا صَاحِبُكَ الْقُرْآنُ الَّذِي أَظْمَأْتُكَ فِي الْهَوَاجِرِ وَأَسْهَرْتُ لَيْلَكَ، وَإِنَّ كُلَّ تَاجِرٍ مِنْ وَرَاءِ تِجَارَتِهِ، وَإِنَّكَ الْيَوْمَ مِنْ وَرَاءِ كُلِّ تِجَارَةٍ فَيُعْطَى الْمُلْكَ بِيَمِينِهِ، وَالْخُلْدَ بِشِمَالِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ، وَيُكْسَى وَالِدَاهُ حُلَّتَيْنِ لَا يُقَوَّمُ لَهُمَا أَهْلُ الدُّنْيَا فَيَقُولَانِ: بِمَ كُسِينَا هَذَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: اقْرَأْ وَاصْعَدْ فِي دَرَجِ الْجَنَّةِ وَغُرَفِهَا، فَهُوَ فِي صُعُودٍ مَا دَامَ يَقْرَأُ، هَذًّا كَانَ، أَوْ تَرْتِيلًا "(صحيح - مسند الإمام أحمد)
 
4.  احتساب الأجر "إيمانا واحتسابا"، قال الله سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ(٢٩) لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ  إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ(٣٠) [فاطر: 29-30].
الأحوال المكانية:
1.  أن يتخير لتلاوته أفضل الأماكن وأطهرها، فعن أبي ميسرة قال: لا يذكر الله إلا في مكان طيب.
قال النووي في التبيان: (ويستحب أن تكون القراءة في مكان نظيف مختار ولهذا استحب جماعة من العلماء القراءة في المسجد لكونه جامعا للنظافة وشرف البقعة ومحصلا لفضيلة أخرى وهي الإعتكاف فإنه ينبغي لكل جالس في المسجد الإعتكاف سواء أكثر في جلوسه أو أقل بل ينبغي أول دخوله المسجد أن ينوي الإعتكاف وهذا الأدب ينبغي أن يعتنى به ويشاع ذكره ويعرفه الصغار والعوام فإنه مما يغفل عنه).
فإن لم يتمكن من المسجد فبيته خير له وأقرب لإخلاصه.
2.  أن يستقبل القبلة، فإن خير المجالس ما استقبل به القبلة.
الأحوال الزمانية:
1.  أن يتحين بتلاوته جوف الليل، فهو أعظم نفعا لقلبه وأنجع لزكاة نفسه، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا٦ [المزمل: ٦] أى: أشد مواطأة بين القلب واللسان لسكون الليل وهدوء الأصوات، وهو أشرف الأوقات لتنزل الرب بعظيم الهبات.
2.  وأشرف أحوال التلاوة أن تكون في صلاة.
الأحوال الذاتية:
1.  أن يسبغ القارئ وضوئه، فلا يقرأ إلا طاهرا.
2. أن يلبس أفضل ثيابه وأطهرها لقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرۡ(٤)﴾، وقوله سبحانه:﴿يَٰبَنِيٓ ءَادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ﴾ فإن الله جميل يحب الجمال، ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده.
وروي عن الحسن السبط رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فقيل له: يا ابن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لم تلبس أجود ثيابك؟ فقال: إن الله تعالى جميل يحب الجمال فأتجمل لربي وهو يقول ﴿خُذُواْ زِينَتَكُمۡ عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ فأحب أن ألبس أجمل ثيابي.
ومعنى ﴿عِندَ كُلِّ مَسۡجِدٖ عند كل موطن تعبد.
3.  أن يتسوك قبل تلاوته، فعَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيِّ قَالَ: أَمَرَ عَلِيٌّ بِالسِّوَاكِ، وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا تَسَوَّكَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي، قَامَ الْمَلَكُ خَلْفَهُ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ، فَلَا يَزَالُ عَجَبُهُ بِالْقُرْآنِ يُدْنِيهِ مِنْهُ، حَتَّى يَضَعَ فَاهُ عَلَى فِيهِ، فَمَا يَخْرُجُ مِنْ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا صَارَ فِي جَوْفِ الْمَلَكِ، فَطَهِّرُوا أَفْوَاهَكُمْ»،
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِذَا تَسَوَّكَ أَحَدُكُمْ , ثُمَّ قَامَ يَقْرَأُ , طَافَ بِهِ الْمَلَكُ يَسْتَمِعُ الْقُرْآنَ , حَتَّى يَجْعَلَ فَاهُ عَلَى فِيهِ , فَلَا تَخْرُجُ آيَةٌ مِنْ فِيهِ إِلَّا فِي فِي الْمَلَكِ , وَإِذَا قَامَ يَقْرَأُ , وَلَمْ يَتَسَوَّكْ , طَافَ بِهِ الْمَلَكُ , وَلَمْ يَجْعَلْ فَاهُ عَلَى فِيهِ».
وقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «طَيِّبُوا أَفْوَاهَكُمْ بِالسِّوَاكِ؛ فَإِنَّهَا طُرُقُ الْقُرْآنِ».
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ» .
4.  أن يتجنب أكل ما له ريح كريهة كالبصل والثوم والكراث، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وقد سماهم الله كراما، فواجب على المؤمن بالغيب إكرامهم.
5.  أن يمس من طيبه؛ إكراما للقرآن، وإكراما للملائكة. 
وَكَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُكَّةٌ يَتَطَيَّبُ مِنْهَا، وَكَانَ أَحَبَّ الطِّيبِ إِلَيْهِ الْمِسْكُ.
قال صاحب منتهى السول على وسائل الوصول إلى شمائل الرسول: (كان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه؛ لملاقاة الملائكة، ومجالسة المسلمين،  وللاقتداء به في التطيب فإنه سنة أكيدة).
وقال عكرمة: كان ابن عباس إذا مَرَّ في الطريق قيل: أمرَّ المسكُ، أم مرَّ ابن عباس؟ وذلك لطيب رائحته. 
وذكر الزركلي في الأعلام في ترجمته لابن مسعود وهو حبر القرآن رضى الله عنه فقال : وكان يحب الإكثار من التطيب، فإذا خرج من بيته عرفه جيرانُ الطريق أنه مرّ، من طيب رائحته. 
وقال الزبيري: «كان مالك يلبس الثياب العدنية الجياد والخراسانية والمصرية المرتفعة البيض، ويتطيب بطيب جيد، ويقول: ما أحب لأحد أنعم الله عليه إلا ويرى أثر نعمته عليه وخاصة أهل العلم، وكان يقول: أحب للقارئ أن يكون أبيض الثياب».
  
أحوال التلاوة:
1.  أن يستفتح تلاوته مستعيذا مستجيرا بالله من الشيطان الرجيم.
2. أن يقرأه مرتلا مبينا حروفه حرفا حرفا، على مكث، وعليه السكينة والوقار، ولا يتلفت يمينا وشمالا. قال تعالى: ﴿وَرَتِّلِ ٱلۡقُرۡءَانَ تَرۡتِيلًا(٤)﴾.
قال النووي في التبيان في آداب حملة القرآن: (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لأن أقرأ سورة أرتلها أحب إلي من أن أقرأ القرآن كله.
وعن مجاهد أنه سئل عن رجلين قرأ أحدهما البقرة وآل عمران والآخر البقرة وحدها وزمنهما وركوعهما وسجودهما وجلوسهما واحد سواء ؟ فقال : الذي قرأ البقرة وحدها أفضل.
وقد نهي عن الإفراط في الإسراع ويسمى الهذرمة فثبت عن عبد الله بن مسعود أن رجلا قال له : إني أقرأ المفصل في ركعة واحدة فقال عبد الله بن مسعود : [ هَذًّا كهَذِّ الشعر! إن أقواما يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ولكن إذا وقع في القلب فرسخ فيه نفع ]). 
3. أن يحسن صوته بالقرآن لاستماع الله له، ولاستماع الملائكة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا إِلَى الرَّجُلِ الْحَسَنِ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ، مِنْ صَاحِبِ الْقَيْنَةِ إِلَى قَيْنَتِهِ». (حسن/سنن ابن ماجه)
(أَذَنًا: بفتحتين بمعنى استماعا، القينة: هي الجارية مغنية كانت أو غير مغنية).
وعَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «مَا أَذِنَ اللَّهُ لِشَيْءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالْقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ».  (صحيح الإمام البخارى)
وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأسيد بن حضير: «تِلْكَ المَلاَئِكَةُ دَنَتْ لِصَوْتِكَ، وَلَوْ قَرَأْتَ لَأَصْبَحَتْ يَنْظُرُ النَّاسُ إِلَيْهَا، لاَ تَتَوَارَى مِنْهُمْ». (صحيح الإمام البخارى)
وقَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ». (صحيح/ مسند الإمام أحمد)
فعن صَالِحُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ , عَنْ أَبِيهِ , قَالَ: قُلْتُ لَهُ: قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «زَيِّنُوا الْقُرْآنَ بِأَصْوَاتِكُمْ» مَا مَعْنَاهُ؟ قَالَ: التَّزَيُّنُ أَنْ تُحْسِنَهُ.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الآجري: يَنْبَغِي لِمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ حُسْنَ الصَّوْتِ بِالْقُرْآنِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّهُ بِخَيْرٍ عَظِيمٍ فَلْيَعْرِفْ قَدْرَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ بِهِ , وَلْيَقْرَأْ لِلَّهِ لَا لِلْمَخْلُوقِينَ، وَلِيَحْذَرْ مِنَ الْمَيْلِ إِلَى أَنْ يُسْتَمَعَ مِنْهُ لِيَحْظَى بِهِ عِنْدَ السَّامِعِينَ رَغْبَةً فِي الدُّنْيَا وَالْمَيْلِ إِلَى حُسْنِ الثَّنَاءِ وَالْجَاهِ عِنْدَ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، وَالصَّلَاةِ بِالْمُلُوكِ دُونَ الصَّلَاةِ بِعَوَامِّ النَّاسِ، فَمَنْ مَالَتْ نَفْسُهُ إِلَى مَا نَهَيْتُهُ عَنْهُ خِفْتُهُ أَنْ يَكُونَ حُسْنُ صَوْتِهِ فِتْنَةً عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا يَنْفَعُهُ حُسْنُ صَوْتِهِ إِذَا خَشِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ وَكَانَ مُرَادُهُ أَنْ يُسْتَمَعَ مِنْهُ الْقُرْآنُ؛ لِيَنْتَبِهَ أَهْلُ الْغَفْلَةِ عَنْ غَفْلَتِهِمْ، فَيَرْغَبُوا فِيمَا رَغَّبَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَيَنْتَهُوا عَمَّا نَهَاهُمْ , فَمَنْ كَانَتْ هَذِهِ صِفَتَهُ انْتَفَعَ بِحُسْنِ صَوْتِهِ , وَانْتَفَعَ بِهِ النَّاسُ.
وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَحْسَنَ النَّاسِ صَوْتًا بِالْقُرْآنِ الَّذِي إِذَا سَمِعْتَهُ يَقْرَأُ حَسِبْتَهُ يَخْشَى اللَّهَ»(صحيح لغيره/ رواه ابن ماجه)
4.  أن يجعل هِمَّتَهُ إِيقَاعَ الْفَهْمِ لِمَا أَلْزَمَهُ اللَّهُ: مِنَ اتِّبَاعِ الأمر، وَاجتناب النهى، لَيْسَ هِمَّتُهُ مَتَى أَخْتِمُ السُّورَةَ؟
5.  أن ينفعل متأثرا بما يتلوه. قال حذيفة رضى الله عنه يصف تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقرأ مترسلا؛ إذا مرَّ بآية تسبيح سبح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مرَّ بتعوذ تعوذ.
6.   أن يقرأ قَصْدا (وسطا) بين الرفع والخفض؛ قال تعالى:﴿وَلَا تَجۡهَرۡ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتۡ بِهَا وَٱبۡتَغِ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلٗا(١١٠).
قال أبو على الحداد –شيخ أصبهان ومقرئها في عصره-: رأيت النبى صلى الله عليه وسلم في النوم؛ فقلت: يا رسول الله! إن لي صوتا إذا قرأت ارتفع؟ فقال: إذا استقامت نيتك فلا بأس. 
7.  وليحذر قطع تلاوته لأجل هاتفه أو حديث غيره تعظيما لكتاب الله وتقديسا لكلامه؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِنَّهُۥ لَكِتَٰبٌ عَزِيزٞا(٤١)﴾.

قال أبو معاوية الأسود: القرآن وَحْشِىٌّ –أى عزيز- إذا تُحُدِّثَ وقُرِئَ نَفَرَ القرآن.

وقال ابن عباس رضى الله عنهما: من وقر القرآن فقد وقر الله.

وقد قيل: من صاحب الملوك بغير أدب أسلمه الجهل إلى القتل.

فهذه آداب حَرِىٌّ بمن تحرَّاها أن يجد قلبه بعد تلاوته خلقا آخر.
 
فاللهم اهدنا بهدايتك لكمالات الآداب بين يديك
ودُلَّنا اللهم بك عليك
واجعلنا اللهم من صفوة التالين لكتابك
العاملين بمحكم آياتك
واختم أعمالنا بالقرآن الكريم العظيم
يا أكرم من سُئِل...إنك أنت البر الرحيم
وصلّ اللهم الصلاة الكاملة الْمَرْضِيَّة على نبينا محمد خير البريّة
وسَلِّم اللهم عليه التسليماتِ التامة الطيبة الزكيَّة
والحمد لله رب العالمين

(أوصيك أيها الكريم بمدارسة كتاب الإمام الآجرى-رحمه الله تعالى-: أخلاق أهل القرآن، ففيه خير فياض، جزاه الله عنا وعن القرآن وأهله خير الجزاء)
 
 
 
 
 
 
 
 

Comments

Popular posts from this blog

سورة الكهف ومنهج التزكية (١) الحمد على الكتاب

لطيفة في الدلالة المعنوية لرسم اللفظ القرآني (صاحبه)

القرآن بين الفطر والأضحى