سورة الكهف ومنهج التزكية (١) الحمد على الكتاب

سورة الكهف ومنهج التزكية (١)
الحمد على الكتاب

الحمد لله الذي تواتر علينا جزيل إفضاله وكريم إنعامِه، الميسرِ لنا برحمته مسّ كتابه وترتيل كلامِه...
والصلاة والسلام على رسول الله القائم لربه بحقِّ إجلاله وإعظامِه ...
وبعد؛

فقد استفتح الله جل جلاله سورة الكهف حامدًا نفسه على إنزاله الكتاب فقال سبحانه:﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ﴾ وتالله لهو النعمة العظمى، التي حَقَّ علينا شكرها، ومِنْ شكر النعمة تعظيمُ قدرها، والتزام الأدب في تعاطيها ومعها، إذ أنَّ في تعظيمها تعظيما للمنعم بها والمسديها.

وكان إبراهيم النخعي يقول: عَظِّمُوا هذه المصاحف.

وهذا بشر الحافي؛ ما جاءه البشر إلا ببركة الأدب، فقد جاء في ترجمته أن سبب توبته أنه أصاب في الطريق ورقة وفيها اسم الله تعالى مكتوب، وقد وطئتها الأقدام، فأخذها واشترى بدراهم كانت معه -لم يكن معه سواها- غاليةً (خليط من طيب المسك والعود والعنبر) فطيَّب بها الورقة وجعلها في شق حائط، فرأى في النوم كأن قائلاً يقول له: يا بشر؛ طيبت اسمي! لأطيبن اسمك في الدنيا والآخرة، وكما طهرته لأطهرن قلبك، فلما تنبه من نومه تاب، وصار ذكره إلى ما تسمع وترى.

ولذا لما كان المصحف الكريم أشرف كتاب في الوجود لما تضمنه بين دفتيه من كلام الله جل وعلا؛ لا جرم تأكدت في حقه مكارم الآداب المستلزمة لتعظيمه، كما تَعَيَّنَ التوقي من كل تصرف يوهم بامتهانه.

قال ابن عقيل -رحمه الله-: مَنْ وُجِدَ مِنْهُ امْتِهَانٌ لِلْقُرْآنِ أَوْ خَمْصٌ (تجافي) مِنْهُ أَوْ طَلَبُ تَنَاقُضِهِ، أَوْ دَعْوَى أَنَّهُ مُخْتَلِفٌ أَوْ مُخْتَلِقٌ، أَوْ مَقْدُورٌ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ إسْقَاطٌ لِحُرْمَتِهِ، كُلُّ ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى كُفْرِهِ، فَيُقْتَلُ بَعْدَ التَّوْبَةِ.

وفي المصنف لعبد الرزاق الصنعاني بسنده: أن ابْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: لَيُنْتَزَعَنَّ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ، قَالَ: قُلْتُ: يَا أَبَا عَبدِ الرَّحْمَنِ، كَيْفَ يُنْتَزَعُ، وَقَدْ أَثْبَتْنَاهُ فِي صُدُورِنَا، وَأَثْبَتْنَاهُ فِي مَصَاحِفِنَا؟ قَالَ: يُسْرَى عَلَيْهِ فِي لَيْلَةٍ، فَلاَ يَبْقَى فِي قَلْبِ عَبدٍ مِنْهُ وَلاَ مُصْحَفٍ مِنْهُ شَيءٌ، وَيُصْبِحُ النَّاسُ فُقَرَاءَ كَالْبَهَائِمِ، ثُمَّ قَرَأَ عَبدُ اللهِ: ﴿وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاَ.

فمتى رفعت مهابة المصاحف من القلوب رفعت كتابتها وتلاوتها، وكان الحرمان؛ ولا عجب فإنه الكتاب العزيز.

وقد فَصَّلَ العلماء الكرام ما يجب في حَقِّ المصحف من التعظيم والإكرام، فمن عظم هذه الآداب والحرمات فهو خير له عند ربِّه، وهى علامة تُقَى قَلْبِه، ومن تهاون فلهوانه، وما له من مكرم. 

وهذه طائفة من تلك الآداب –جعلنا الله أحق بها وأهلها بمنه وكرمه-:

١- ألَّا يمس المصحف إلا على طهر.

٢- ألَّا يَبُلّ إصبعه بريقه عند تقليب أوراقه: 

قال التَّتَّائِيُّ فِي الشَّرْحِ الصَّغِيرِ: الْبُصَاقُ طَاهِرٌ وَلَكِنَّهُ مُسْتَقْذَرٌ، وَلِذَا اشْتَدَّ نَكِيرُ ابْنِ الْعَرَبِيِّ عَلَى مُلَطِّخِ صَفَحَاتِ أَوْرَاقِ الْمُصْحَفِ بِهِ -وَكَذَا كُلُّ كِتَابٍ- لِيَسْهُلَ قَلْبُهَا قَائِلًا: إنَّا لِلَّهِ عَلَى غَلَبَةِ الْجَهْلِ الْمُؤَدِّي لِلْكُفْرِ، وَقَالَ ابْنُ الْحَاجِّ فِي الْمَدْخَلِ: لَا يَجُوزُ مَسْحُ لَوْحِ الْقُرْآنِ أَوْ بَعْضِهِ بِالْبُصَاقِ وَيَتَعَيَّنُ عَلَى مُعَلِّمِ الصِّبْيَانِ مَنْعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ. 

وقوله "الْمُؤَدِّي لِلْكُفْرِ": لأن ذلك الفعل لما كان مستقذرا كان يشبه حالة الامتهان، والامتهان كفر، ومداومة العبد على فعل ذلك ينافي التوقير مما يورث قلبَه عدم التعظيم لكتاب الرب، فهو موصل للكفر.

وأفتى الهيتمي بحرمة ذلك؛ ففي تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي قال: وَفِي فَتَاوَى الشَّارِحِ يَحْرُمُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِإِصْبَعٍ عَلَيْهِ رِيقٌ إذْ يَحْرُمُ إيصَالُ شَيْءٍ مِنْ الْبُصَاقِ إلَى شَيْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمُصْحَفِ.

وفي المدخل لابن الحاج قال:

 وَيَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ –أى على مؤدب الصبيان ومعلمهم- أَنْ يَمْنَعَ الصِّبْيَانَ مِمَّا اعْتَادَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ أَنَّهُمْ يَمْسَحُونَ الْأَلْوَاحَ أَوْ بَعْضَهَا بِبُصَاقِهِمْ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْبُصَاقَ مُسْتَقْذَرٌ وَفِيهِ امْتِهَانٌ وَالْمَوْضِعُ مَوْضِعُ تَرْفِيعٍ وَتَعْظِيمٍ وَتَبْجِيلٍ فَيُجَلُّ عَنْ ذَلِكَ وَيُنَزَّهُ.


٣- ولا يضع أو يحفظ شيئا بين أوراقه: كالنقود، أو بعض الأوراق، وذلك منتهى الامتهان؛ لأنه لا خلاف أن المحفوظ أرفع في نفس صاحبه مما حُفِظَ فيه.


٤- ولا يمكن الصغير غير المميز من المصحف:

فجمهور أهل العلم على القول بعدم تمكين غير المميز من مسِّ المصحف، وقد صرح بذلك جمع من أهل العلم كالماوردي في الحاوي الكبير، والنووي في التبيان، وابن نجيم في الأشباه والنظائر، والبهوتي في كشف القناع، ورواية عن الإمام أحمد؛ وهو الصحيح من مذهبه.

أما المميز الصغير فلا خلاف في جواز دفع المصحف إليه لعدم المانع، ولأن في المنع تضييع حفظ القرآن.


٥- ومن شرف المصحف أن يتناوله باليمين: وهذا محل وفاق بين أهل العلم، ففي الحديث الشريف عَنْ 

أَبِي هُرَيْرَةَ رضى الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لِيَأْكُلْ أَحَدُكُمْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ، وَلْيَأْخُذْ بِيَمِينِهِ، وَلْيُعْطِ بِيَمِينِهِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ، وَيُعْطِي بِشِمَالِهِ، وَيَأْخُذُ بِشِمَالِهِ». (صحيح/سنن ابن ماجة)

وقال الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين:

أحوجك من أعطاك اليدين إلى أعمال بعضها شريف كأخذ المصحف، وبعضها خسيس كإزالة النجاسة، فإذا أخذت المصحف باليسار وأزلت النجاسة باليمين فقد خصصت الشريف بما هو خسيس؛ فغضضت من حقه وظلمته وعدلت عن العدل، وكذلك إذا بصقت مثلاً في جهة القبلة أو استقبلتها في قضاء الحاجة فقد كفرت نعمة الله تعالى في خلق الجهات وخلق سعة العالم؛ لأنه خلق الجهات لتكون متسعك في حركتك، وقسم الجهات إلى ما لم يشرفها وإلى ما شرفها بأن وضع فيها بيتاً أضافه إلى نفسه استمالةً لقلبك إليه ليتقيد به قلبك فيتقيد بسببه بدنك في تلك الجهة على هيئة الثبات والوقار إذا عبدت ربك.

٦- ولا يتركه منشورا (مفتوحا) من غير تلاوة ولا نظر:

٧- ولا يضعه على الأرض مطلقا، ولا يضع فوقه غيره بحال:

قال القرطبي في التذكار في أفضل الأذكار:

ومنها –أى من صور صيانة المصحف- إذا قرأ في المصحف أن لا يتركه منشوراً، ولا يضع فوقه شيئاً من الكتب ولا ثوباً ولا شيئاً خطيراً ولا حقيراً حتى يكون بهذا محفوظاً مكنوناً عالياً لسائر الكتب وغيرها، وقد وصفه الله بأنه في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون، فإذا كان فوق السماوات مكنوناً محفوظاً وليس هناك إلا الملائكة المطهرون؛ فلأن يكون فيما بيننا مكنوناً محفوظاً أولى، ألا ترى أنه منهى ألا يمسه إلا طاهر؟ فأولى أن ينهي أن يعرضه للإهانة أو يغفل عنه فيصيبه غبار البيت إذا كنس أو الدخان، أو يعمل عليه حسابه أو مفتاح حانوته، إلا أن يكونا مصحفان فيوضع أحدهما فوق الآخر فيجوز.

ومنها أن يضعه في حجره إذا قرأه أو على شيء بين يديه ولا يضعه في الأرض.


٧- ولا يتخذه زخرفا ولا زينة ولا تبركا من غير أن يقرأ فيه:

فعن أبي أمامة أنه كان يقول: اقرؤا القرآن ولا يغرنكم هذه المصاحف المعلقة، فإن الله لن يعذب قلبا وعى القرآن. (سنن الدارمي)

وأخرج ابن أبي داود في المصاحف بسنده عن سفيان أنه كره أن تعلق المصاحف.

وذلك كحال من يضع مصحفا في سيارته أو محل عمله أو مجلس الضيفان في بيته على سبيل التبرك أو التزيين لا لغرض القراءة.

قال ابن الجوزي: وينبغي لمن كان عنده مصحف أن يقرأ فيه كل يوم آيات يسيرة لئلا يكون مهجورا.

٩- ومن الأدب مع المصحف تجويد خطه، وتحسين صنعته:

قال السيوطي في كتاب الإتقان في علوم القرآن:

أَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ فِي فَضَائِلِهِ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ وَجَدَ مَعَ رَجُلٍ مُصْحَفًا قَدْ كَتَبَهُ بِقَلَمٍ دَقِيقٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ وَضَرَبَهُ وَقَالَ: عَظِّمُوا كِتَابَ اللهِ.

وَكَانَ عُمَرُ إِذَا رَأَى مُصْحَفًا عَظِيمًا سُرَّ بِهِ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُتَّخَذَ الْمَصَاحِفُ صِغَارًا.

وَأَخْرَجَ أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُكْتَبَ الْقُرْآنُ فِي الشَّيْءِ الصَّغِيرِ.

وَأَخْرَجَ هُوَ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي حكيم الْعَبْدِيِّ قَالَ: مَرَّ بِي عَلِيٌّ وَأَنَا أَكْتُبُ مُصْحَفًا، فَقَالَ أَجِلَّ قَلَمَكَ فَقَضَمْتُ مِنْ قَلَمِي قَضْمَةً ثُمَّ جَعَلْتُ أَكْتُبُ فَقَالَ: نَعَمْ هَكَذَا نَوِّرْهُ كَمَا نَوَّرَهُ اللهُ.

وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عَلِيٍّ مَوْقُوفًا قَالَ: تَنَوَّقَ رَجُلٌ فِي "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ" فَغُفِرَ لَهُ. (تنوق: أى مدها وحسنها)

وقال القرطبي في التذكار في أفضل الأذكار:

قال العلماء: وذلك أشبه بالإجلال والتعظيم، ألا ترى إلى الناس إذا أرادوا مكاتبة ملك وسلطان تحروا لها من القراطيس أكبرها وأمتنها وأنقاها ومن الخطوط أحسنها وأفخمها، ومن المداد أبرقه وأشده سواداً وفرجوا السطور ولم يقرمطوها لئلا يكون قد ضنوا بشيء مما كانت الحاجة إليه في مكاتبته فيكونوا قد ضيعوا قدره. فكتاب الله تعالى أولى بمثل ذلك التبجيل.

وأيضاً فإن الكتاب كلما كان أكبر، كان من الضياع أبعد.

بل اتفق العلماء على تحريم تصغير اسمه، قال المسيب: لا يقول أحدكم مصيحف ولا مسيجد، ما كان لله فهو عظيم حسن جميل.

وقال القرطبي: ومن حرمته ألا يصغر المصحف بكتابة ولا اسم.

١٠- ومن تعظيمه والأدب معه ألا يفرق أجزاء في كراريس:

سئل الإمام مالك عن القرآن يكتب أسداسا وأسباعا في المصاحف؟ فكره ذلك كراهة شديدة وعابه، وقال: لا يفرق القرآن وقد جمعه الله تعالى، وهؤلاء يفرقونه، لا أرى ذلك.

فيجب أن يحافظ عليه مجموعا، وألا يجتزأ على سور منه تجعل في كتيب أو نحوه.

وكان الحسن وابن سيرين يقرءون القرآن من أوله إلى آخره ويقولون: تأليف الله خير من تأليفكم.

١١- ويكره استدباره أو مدُّ الرجل إليه أو التخطي من فوقه.

١٢- ويحرم اتخاذ المصحف مُتَّكَأً: 

ففي الآداب الشرعية والمنح المرعية لابن مفلح قال:

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقَوِيِّ فِي كِتَابِهِ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ أَنَّهُ يَحْرُمُ الِاتِّكَاءُ عَلَى الْمُصْحَفِ وَعَلَى كُتُبِ الْحَدِيثِ وَمَا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ اتِّفَاقًا.

١٣- ولا يتخذ المصحف طِيَرةً ولا استقساما:

قال ابن العربي في أحكام القرآن:

([مَسْأَلَة: مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ[المائدة: ٣] مَعْنَاهُ: تَطْلُبُوا مَا قُسِمَ لَكُمْ، وَجَعْلُهُ مِنْ حُظُوظِكُمْ وَآمَالِكُمْ وَمَنَافِعِكُمْ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِسْقٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ فَإِنَّهُ تَعَرُّضٌ لِعِلْمِ الْغَيْبِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْغَيْبِ وَلَا يَطْلُبُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ رَفَعَهُ بَعْدَ نَبِيِّهِ إلَّا فِي الرُّؤْيَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ طَلَبُ ذَلِكَ فِي الْمُصْحَفِ. قُلْنَا: لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمُصْحَفُ لِيُعْلَمَ بِهِ الْغَيْبُ؛ إنَّمَا بُيِّنَتْ آيَاتُهُ، وَرُسِمَتْ كَلِمَاتُهُ لِيُمْنَعَ عَنْ الْغَيْبِ؛ فَلَا تَشْتَغِلُوا بِهِ، وَلَا يَتَعَرَّضْ أَحَدُكُمْ لَهُ).

وفي المدخل لابن الحاج: 

(وَالتَّفَاؤُلُ فِي الشَّرْعِ هُوَ الَّذِي لَا يَقْصِدُهُ الْإِنْسَانُ حَتَّى يَسْمَعَهُ ابْتِدَاءً، وَأَمَّا مَنْ يَقْصِدُهُ فَلَيْسَ مِنْ التَّفَاؤُلِ فِي شَيْءٍ.

وَأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ التَّفَاؤُلُ فِي فَتْحِ الْخِتْمَةِ، وَالنَّظَرِ فِي أَوَّلِ سَطْرٍ يَخْرُجُ مِنْهَا، أَوْ غَيْرِهِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهُ؛ بَيَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَخْرُجُ لَهُ مِنْهَا آيَةُ عَذَابٍ وَوَعِيدٍ فَيَقَعُ لَهُ التَّشْوِيشُ مِنْ ذَلِكَ فَرُفِعَ عَنْهُ ذَلِكَ حَتَّى تَنْقَطِعَ عَنْهُ مَادَّةُ التَّشْوِيشِ، بَلْ يُخْشَى عَلَيْهِ أَنْ يَقَعَ لَهُ مَا هُوَ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ وَيَئُولُ أَمْرُهُ إلَى الْخَطَرِ الْعَظِيمِ أَلَا تَرَى إلَى مَا جَرَى لِبَعْضِ الْمُلُوكِ أَنَّهُ فَتَحَ الْمُصْحَفَ لِيَأْخُذَ مِنْهُ الْفَأْلَ فَوَجَدَ فِي أَوَّلِ سَطْرٍ مِنْهُ ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ [إبراهيم: ١٥] فَوَجَدَ مِنْ ذَلِكَ أَمْرًا عَظِيمًا حَتَّى خَرَجَ بِذَلِكَ عَنْ حَالِ الْمُسْلِمِينَ وَجَرَتْ مِنْهُ أُمُورٌ لَا يُمْكِنُ ذِكْرُهَا لِمُنَافَرَتِهَا لِحَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَمِنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ الطُّرْطُوشِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: إنَّ أَخْذَ الْفَأْلِ بِالْمُصْحَفِ وَضَرْبَ الرَّمَلِ وَنَحْوَهُمَا حَرَامٌ وَهُوَ مِنْ بَابِ الِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ مَعَ أَنَّ الْفَأْلَ حَسَنٌ بِالسُّنَّةِ، وَتَحْرِيرُهُ أَنَّ الْفَأْلَ الْحَسَنَ هُوَ مَا يَعْرِضُ مِنْ غَيْرِ كَسْبٍ مِثْلُ قَائِلٍ يَقُولُ: يَا مُفْلِحُ وَنَحْوُهُ.

وَالتَّفَاؤُلُ الْمُكْتَسَبُ حَرَامٌ كَمَا قَالَهُ الطُّرْطُوشِيُّ فِي تَعْلِيقِهِ انْتَهَى. أَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ بِمَنِّهِ).

١٤- كما يستحب تطييبه وتقبيله:

قال الإمام الزركشي في البرهان: ويستحب تطييب المصحف، وجعله على كرسي.

واستحبه الآمدي والإمام أحمد استدلالًا بأن النبى صلى الله عليه وسلم طيب الكعبة وأمر بتطييب المساجد، والمصحف أولى لأنه أرفع مقاما.

وكان ابن عمر رضى الله عنهما يأخذ المصحف كل غداة ويقبله، ويقول: عهد ربي ومنشور ربي عز وجل.

وروى عن ذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يقبِّل المصحف ويمسحه على وجهه.

وكذلك كان عكرمة رضي الله عنه يفتح المصحف ويضع وجهه عليه، ويقول: كلام ربي، كلام ربي.

فهذه طائفة من طوائف ما يجب علينا التأدب به مع كتاب ربنا جل وعلا؛ شكرا لنعمته، وتعظيما لحرمته، ومن أراد الزيادة فليرجع إلى (المتحَف في أحكام المصحف، للدكتور: صالح بن محمد الرشيد) يقف بإذن الله على بحر زاخر، وجمع وافر، جزاه الله خيرا.


اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت

واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت

وكَمِّلْنا اللهم بكمالات الآداب

وألقِ علينا بعزتك من مهابة الكتاب

واختم أعمالنا برضوانك

وأَفِضْ علينا وعلى المسلمين من جزيل إحسانك

أنت المستعان، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بك

وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على نبيِّنا مُحَمَّدٍ ... كاملِ المكارِم ... مُعَظِّمِ المحارِم

والحمد لله رب العالمين


صاحب القرءان

نديم فرج خطاب

Comments

Popular posts from this blog

لطيفة في الدلالة المعنوية لرسم اللفظ القرآني (صاحبه)

القرآن بين الفطر والأضحى