سورة الكهف (وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَا)

سورة الكهف
﴿وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَا

الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا...
والصلاة والسلام على من جعلت له السموات العلا معرجا...
وبعد،


 فقد وصف الله عز وجل كتابه في سورة الكهف بقوله ﴿وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَا﴾، ومعناه: نَفْىُ تطرق العوج إليه فَ﴿لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٌ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ(42)﴾، ونَفْىُ عوج الآثار المترتبة على اتباعه والاستمساك بهديه؛ فإن هذا القرآن لايعوج بصاحبه عن بلوغ المقاصد من أقصر الطرق وأوضحها وأخصرها؛ كما قال سبحانه: ﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ(123)﴾، وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رضى الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالَ:  «أَبْشِرُوا وَأَبْشِرُوا، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ » قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ  تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا» (صحيح، رواه ابن حبان)، ومتى انتفى تطرق العوج إليه مع انتفاء اعوجاج الآثار المبنية عليه؛ فهى دلالة على انتفاء العوج عن ذاته، ولله الحمد.

وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (من تدبر القرآن طالبا الهدى منه تبين له طريق الحق).

ويقول الإمام الشافعي رحمه الله في الرسالة: (فليست تنزل بأحد من أهل دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليلُ على سبيل الهدى فيها، قال الله تبارك وتعالى: ﴿الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ(13)﴾).

ويقول أيضا: (فإن من أدرك علم أحكام الله في كتابه نصاً واستدلالاً، ووفقه الله للقول والعمل بما علِم منه: فاز بالفضيلة في دينه ودنياه، وانتفت عنه الرِّيَب، ونَوَّرت في قلبه الحكمة، واستوجب في الدين موضع الإمامة). 

ولا شك أن من نال الإمامة في الدين فقد نال شرف الدنيا والآخرة.

تعريف التعريف:

۞ نفى تطرق العوج إليه:

وهو معنى قول الله عز وجل: ﴿لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٌ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ(42)﴾؛ قَالَ الزَّجَّاجُ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مَحْفُوظٌ مِنْ أَنْ يُنْقَصَ مِنْهُ فَيَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ، أَوْ يُزَادَ فِيهِ فَيَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ خَلْفِهِ، وَبِهِ قَالَ قَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ، وَمَعْنَى الْبَاطِلِ عَلَى هَذَا: الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ. 

وَقَالَ مُقَاتِلٌ: لَا يَأْتِيهِ التَّكْذِيبُ مِنَ الْكُتُبِ الَّتِي قَبْلَهُ، وَلَا يَجِيءُ مِنْ بَعْدِهِ كِتَابٌ فَيُبْطِلُهُ، وَبِهِ قَالَ الْكَلْبِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ. وَقِيلَ: الْبَاطِلُ هُوَ الشَّيْطَانُ، أَيْ: لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ، وَلَا يَنْقُصَ مِنْهُ.

ويقول د. محمد عبد الله دراز -رحمه الله- في (النبأ العظيم): (فإن القرآن محفوظ في حرز حريز، إنجازًا لوعد الله الذي تكفل بحفظه حيث يقول: ﴿إِنَّا نَحۡنُ نَزَّلۡنَا ٱلذِّكۡرَ وَإِنَّا لَهُۥ لَحَٰفِظُونَ(9)﴾، ولم يصبه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل وانقطاع السند، حيث لم يتكفل الله بحفظها، بل وكلها إلى حفظ الناس فقال تعالى: ﴿وَٱلرَّبَّٰنِيُّونَ وَٱلۡأَحۡبَارُ بِمَا ٱسۡتُحۡفِظُواْ مِن كِتَٰبِ ٱللَّهِ﴾ أي بما طلب إليهم حفظه.

والسر في هذه التفرقة أن سائر الكتب السماوية جيء بها على التوقيت لا التأبيد، وأن هذا القرآن جيء به مصدقًا لما بين يديه من الكتب ومهيمنًا عليها، فكان جامعًا لما فيها من الحقائق الثابتة، زائدًا عليها بما شاء الله زيادته، وكان سادًّا مسدها، ولم يكن شيء منها ليسد مسده، فقضى الله أن يبقى حجة إلى قيام الساعة، وإذا قضى الله أمرًا يسر له أسبابه، وهو الحكيم العليم).

ويقول: (ومن ذلك إنباؤه عن المستقبل.. فانظر إلى عجيب شأن النبوءات القرآنية كيف تقتحم حجب المستقبل قريبًا وبعيدًا، وتتحكم في طبيعة الحوادث توقيتًا وتأييدًا، وكيف يكون الدهر مصداقًا لها فيما قل وكثر، وفيما قرب وبعد؟

بل انظر إلى جملة ما في القرآن من النواحي الإخبارية كيف يتناول بها محمد  ما وراء حسه وعقله من أنباء ما كان وما سيكون وما هو كائن، وكيف أنه كلما حدثنا فيها عن الماضي صدقته شواهد التاريخ، وكلما حدثنا عن المستقبل صدقته الليالي والأيام، وكلما حدثنا عن الله وملائكته وشئون غيبه صدقته الأنبياء والكتب).

۞ والمعنى الثاني لقوله تعالى: ﴿وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَا﴾:

نَفْىُ عوج الآثار المترتبة على اتباعه والاستمساك بهديه؛ فإن هذا القرآن لايعوج بصاحبه عن بلوغ المقاصد من أقصر الطرق وأوضحها وأخصرها.

ويتضح هذا المعنى بتأمل الحكمة من اختيار الله جلا جلاله جزيرة العرب مهبطا للرسالة الخاتمة:

أما من حيث الحضارة فلم يكن بجزيرة العرب أى أثر من آثار الحضارات، خلافا لما كانت عليه فارس والروم والهند واليونان آنذاك، بل كانوا مغرقين في ظلمات الجاهلية، وليس أصدق من وصف الله لهم ﴿وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(164)﴾ أى قبل بعثة النبى  بتلاوة الآيات وتعليمهم الكتاب والحكمة.

وكذلك طبيعتها الجغرافية القاحلة المجدبة غير مسعفة لبزوغ أى أثر من آثار النهضة.

وكذلك كان بينهم من التناحر والعداء ما لا تقوم به دولة.

وبلغ بهم التدهور الاجتماعي أن يأكل القوى منهم الضعيف، بل وكان شعارهم (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) على معناها الظاهري، لا على ما صححه الإسلام من حجزه عن الظلم.

فكان من حكمة الله الحكيم الخبير سبحانه أن تنزل الرسالة على هؤلاء القوم الخِلْو من كل مُكْنَة، حتى إذا ما مكن الله لهم دينهم الذي ارتضى لهم؛ لم يرتب أحد في أن نهضتهم ورفعتهم وإمامتهم من بعد انحطاطهم وتبعيتهم إنما هى أثر من آثار اتباع تعاليم هذا الكتاب الكريم لا غير. 

وكذلك اقتضت حكمة الله عز وجل أن تحتضن النبىَّ  أُمِّيَّتُه وبيئةٌ أمية؛ لئلا يرتاب المبطلون بأن سر نهوض العرب شىء سوى هذا الوحى، ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ(15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(16)[المائدة: 15-16].

قال الإمام ابن كثير رحمه الله في مقدمة تفسيره: (...أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ مَعَ قِصَرِ مُدَّتِهَا فَضُلَتِ الْأُمَمَ الْمَاضِيَةَ مَعَ طُولِ مُدَّتِهَا، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿كُنتُمۡ خَيۡرَ أُمَّةٍ أُخۡرِجَتۡ لِلنَّاسِ﴾، وَفِي الْمُسْنَدِ وَالسُّنَنِ: عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً، أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ»، وَإِنَّمَا فَازُوا بِهَذَا بِبَرَكَةِ الْكِتَابِ الْعَظِيمِ الَّذِي شَرَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى كُلِّ كِتَابٍ أَنْزَلَهُ، جَعَلَهُ مُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، وَنَاسِخًا لَهُ، وَخَاتَمًا لَهُ؛ لِأَنَّ كُلَّ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ نَزَلَتْ إِلَى الْأَرْضِ جُمْلَةً وَاحِدَةً، وَهَذَا الْقُرْآنُ نَزَلَ مُنَجَّمًا بِحَسَبِ الْوَقَائِعِ لِشِدَّةِ الِاعْتِنَاءِ بِهِ وَبِمَنْ أَنْزَلَهُ عَلَيْهِ، فَكُلُّ مَرَّةٍ كَنُزُولِ كِتَابٍ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ...).

لذا أمر الله عز وجل نبيه  أن تكون دعوته وبشارته ونذارته بالقرآن؛ فقال عز وجل: ﴿فَذَكِّرۡ بِٱلۡقُرۡءَانِ مَن يَخَافُ وَعِيدِ(45)﴾، وبيَّن أن وظيفته تلاوة القرآن، وإبلاغ القرآن بقوله: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَ﴾، وقوله: ﴿رَسُولٌ مِّنَ ٱللَّهِ يَتۡلُواْ صُحُفًا مُّطَهَّرَةً(2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ(3)﴾، ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦ وَمَن ضَلَّ فَقُلۡ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ(92)﴾؛ وما ذلك إلا لعلم من هذا كلامه بعمق أثر هذا القرآن في النفس البشرية ﴿صِبۡغَةَ ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةً﴾﴿أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ(14)﴾.

ثم اعلم -رحمني الله وإياك والمسلمين- أن لإدراك هذه الآثار القرآنية العلية طرائق من الآداب وسبلا، يقول عنها الإمام القرطبي في تفسيره: (رُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَدَبِ الِاسْتِمَاعِ سُكُونُ الْجَوَارِحِ وَغَضُّ الْبَصَرِ، وَالْإِصْغَاءُ بِالسَّمْعِ، وَحُضُورُ الْعَقْلِ، وَالْعَزْمُ عَلَى الْعَمَلِ، وَذَلِكَ هُوَ الِاسْتِمَاعُ كَمَا يُحِبُّ اللَّهُ تَعَالَى، وَهُوَ أَنْ يَكُفَّ الْعَبْدُ جَوَارِحَهُ، وَلَا يَشْغَلَهَا. فَيَشْتَغِلُ قَلْبُهُ عَمَّا يَسْمَعُ، وَيَغُضُّ طَرْفَهُ فَلَا يَلْهُو قَلْبُهُ بِمَا يَرَى، وَيَحْصُرُ عَقْلَهُ فَلَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ سِوَى مَا يَسْتَمِعُ إِلَيْهِ، وَيَعْزِمُ عَلَى أَنْ يَفْهَمَ فَيَعْمَلَ بِمَا يَفْهَمُ. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَوَّلُ الْعِلْمِ الِاسْتِمَاعُ، ثُمَّ الْفَهْمُ، ثُمَّ الْحِفْظُ، ثُمَّ الْعَمَلُ ثُمَّ النَّشْرُ، فَإِذَا اسْتَمَعَ الْعَبْدُ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِنِيَّةٍ صَادِقَةٍ عَلَى مَا يُحِبُّ اللَّهُ أَفْهَمَهُ كَمَا يُحِبُّ، وَجَعَلَ لَهُ فِي قلبه نورا).

وقال الإمام الغَزَّالِيُّ في «الإحياء»:(والمسْتَحَبُّ من التالِي للقرآن أن يَتأثر قلبهُ بآثار مختلفةٍ بحسْبِ اخْتِلاَفِ الآيات، فيكون له بحسَبِ كُلِّ فهمٍ حالٌ يَتَّصِفُ به قلبُهُ من الحُزْن والخَوْفِ والرجاءِ وغَيْرِ ذلك، ومَهْمَا تَمَّتْ معرفتُهُ كانَتِ الخشْيَةُ أَغْلَبَ الأحْوَالِ على قلبهِ).

وقال الشيخ الوليُّ عبد اللَّه بن أبي جمرة: (وكان النبيّ  في قيامِهِ يَكْسُوهُ من كل آية يَقْرَؤُهَا حَالٌ يُنَاسِبُ معنى تلكَ الآية، وكذلك يَنْبَغِي أن تَكُونَ تلاوةُ القرآن وألاَّ يكونَ تالِيهِ كمثل الحمار يحمل أسفارا).

ويقول الشيخ محمود خليل الحصرى –رحمه الله تعالى- في كتابه (مع القرآن الكريم):

(وقصارى القول: إننا نهيب بالمسلمين جميعا في مشارق الأرض ومغاربها أن يلتزموا حدود الدين والأدب في سماع القرآن الكريم، وأن يراعوا ما لمجلسه من قداسة وحرمة، وأن يقتفوا آثار سلفهم الصالحين في تلاوة القرآن أو سماعه؛ فتعلوهم السكينة، وتغشاهم الرحمة، وتتم لهم النعمة.

ولقد كان أصحاب رسول الله  والصدر الأول من التابعين مُثُلا عُلْيا يحتذى بها في سماع القرآن، ورعاية حرمة مجلسه، بجلال الصمت، وجمال السمت، وكمال الخشوع والتأثر والوجل والتدبر، يستولي على قلوبهم عميق التفكير في آياته، ودقيق التأمل في سمو عباراته ورقيق إشاراته، والاتعاظ بأوامره وزواجره، والاعتبار بمواعظه وعبره).

ولعمر الله! إني لأحسب الشيخ رحمه الله صادقا فيما كتب ونصح والله حسيبه؛ وذلك لعظيم الأثر الذي جعله الله في قلوب الخلق من رخيم تلاوته، وصادق لهجته، حتى إنه في عام 1965م قام بزيارة فرنسا وقدَّر الله له هداية عشرة فرنسيين لدين الإسلام بعد أن سمعوا كلمات الله أثناء تلاوته للقرآن الكريم.

وفي عام 1973م قام الشيخ محمود خليل الحصرى -أثناء زيارته الثانية لأمريكا- بتلقين الشهادة لثمانية عشر رجلا وامرأة أمريكيين أشهروا إسلامهم على يديه بعد سماعهم لتلاوته القرآن الكريم، ولا شك أن في ذلك أعظم دليل وخير شاهد على استقامة الآثار المترتبة على الاستقامة في تلاوة هذا الذكر الحكيم-ولو على أعجمى لا يعرف اللسان العربى-،  لما له من إحكام النظم الصوتي الذي لم يتطرق له عوج، فمتى تلاه القارئ حق تلاوته إذا بك بين يدى ديباجة من حرير، تعجب كيف أنها على فصاحتها وجزالتها ورصانتها وقوة تراكيبها - سلسة سمحة، وعلى علوها ورفعة قدرها سهلة قريبة، تُطْعِم الآذان سرورا، وتقدح في القلوب نورا، فنظامها لا ينحل، وجَرْسُها لا يختل، لذا كان يكفي المرءَ في دعوته صدقُ تلاوته ﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَ فَمَنِ ٱهۡتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهۡتَدِي لِنَفۡسِهِۦۖ وَمَن ضَلَّ فَقُلۡ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ ٱلۡمُنذِرِينَ(92)، ﴿وَإِنۡ أَحَدٌ مِّنَ ٱلۡمُشۡرِكِينَ ٱسۡتَجَارَكَ فَأَجِرۡهُ حَتَّىٰ يَسۡمَعَ كَلَٰمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبۡلِغۡهُ مَأۡمَنَهُۥ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَوۡمٌ لَّا يَعۡلَمُونَ(6)﴾ لأنها بوارق الحق، وسطعات الصدق التي تبدد ظلمة النفس وتوقظ الحس بمجرد أن يلقى إليها السمع!!

وهل آمن الجن إلا بمحض تلاوته ﴿وَإِذۡ صَرَفۡنَآ إِلَيۡكَ نَفَرًا مِّنَ ٱلۡجِنِّ يَسۡتَمِعُونَ ٱلۡقُرۡءَانَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوٓاْ أَنصِتُواْ فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوۡاْ إِلَىٰ قَوۡمِهِم مُّنذِرِينَ(29)﴾!!

وهل أذاب صخرة عمر بن الخطاب سوى تأليفه وروعته: يقول رضى الله عنه: خَرَجْتُ أَتَعَرَّضُ رَسُولَ اللَّهِ  قَبْلَ أَنْ أُسْلِمَ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقُمْتُ خَلْفَهُ فَاسْتَفْتَحَ سُورَةَ الْحَاقَّةِ فَجَعَلْتُ أَعْجَبُ مِنْ تَأْلِيفِ الْقُرْآنِ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَذَا وَاللَّهِ شَاعِرٌ كَمَا قَالَتْ قُرَيْشٌ، قَالَ: فَقَرَأَ ﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ﴾ [الحاقة: 41] قَالَ: قُلْتُ: كَاهِنٌ، قَالَ: {وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة: 42] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، قَالَ: فَوَقَعَ الْإِسْلامُ فِي قَلْبِي كُلَّ مَوْقِعٍ" (مسند الإمام أحمد بسند ضعيف)

وهذا جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يقول: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ  يَقْرَأُ فِي المَغْرِبِ بِالطُّورِ، فَلَمَّا بَلَغَ هَذِهِ الآيَةَ: ﴿أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ ٱلۡخَٰلِقُونَ(35) أَمۡ خَلَقُواْ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضَ بَل لَّا يُوقِنُونَ(36) أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمۡ هُمُ ٱلۡمُصَۜيۡطِرُونَ(37)﴾" قَالَ: كَادَ قَلْبِي أَنْ يَطِيرَ. (صحيح البخاري)

﴿وَأَنۡ أَتۡلُوَاْ ٱلۡقُرۡءَانَ﴾﴿أَوَ لَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ ٱلۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ﴾.

۞بين المطلع والمقطع:

ومن بديع الربط بين مطلع السورة ومقطعها - في ضوء هذا المعنى - اختتام السورة ببيان أعظم أثر من آثار التمسك بهذا القرآن الكريم ألا وإنها وراثة الفردوس، أعلى الجنة، التى ليس فوقها إلا عرش الرحمن؛ للدلالة على أن هذا القرآن الكريم والحبل المتين والصراط المستقيم لن يعوج بصاحبه عن بلوغ منتهى منازل القرب من الرب في جنة الخلد –جعلنا الله ووالدينا من أهلها-؛ ليلتئم أول السورة بنفى عوج الآثار المترتبة على اتباع هذا الكتاب مع آخرها المنبئ بحصول أكمل الأثار، وغاية غاياتها من نيل القرب من الرب سبحانه جل وعلا.


فاللهم إنا نسألك بما استفتحت به كتابك من حمدك،

وحمدت به نفسك من إنزال كتابك على عبدك

أن تنفعنا ببركة هذا القرآن العظيم،

وأن تحلل علينا من كرامات آثاره

وأن توجب لنا به فوائد غفرانك،

وتُحَفَ بوادي إحسانك،

ومواهب صفحك وعفوك ورضوانك

اللهم واجبر به خَلَّتَنا، وسد به فاقتنا،

وصَرِّف اللهم إليه همتنا؛

فلا يشغلنا عنه شاغل، واجعله لنا شافعا غير مَاحِل

وصل اللهم وسلم وبارك على كامل السمت،

الداعي إلى رضوانك في غير عوج ولا أَمْت

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

صاحب القرءان
نديم فرج خطاب

Comments

Popular posts from this blog

سورة الكهف ومنهج التزكية (١) الحمد على الكتاب

لطيفة في الدلالة المعنوية لرسم اللفظ القرآني (صاحبه)

القرآن بين الفطر والأضحى