Posts

Showing posts from August, 2020

قَيِّمٗا

  سورة الكهف ﴿قَيِّمٗا﴾ الحمد لله الذي أنزل إلينا الكتاب قيمًا ... والصلاة والسلام على من أرسله الله للخلق كافة تاليًا ومُزكّيًا ومعلّمًا ... وبعد؛ فإن الناظر في كتاب الله عز وجل لا تنقضي نهمته ، ولا ينقطع عجبه مما يطالعه من بدائع آياته واصطفاء كلماته مع استيفاء مراداته، فتراه لا تحيف وجازته على سعة معانيه وإحاطتها، ولا يؤثر إجماله على تفصيله وبيانه، فهو إيجاز في إعجاز .. ﴿قُرۡءَانًا عَجَبًا﴾.. ونحن بصدد الوصف الثاني لكتاب الله عز وجل على ما ورد في سورة الكهف، وهو قوله سبحانه ﴿قَيِّمًا﴾، وهذا الوصف على وجازته إلا أنه استوفي حظا وافرا من خصائص وميزات هذا الكتاب المجيد. والأصل الاشتقاقي لمادة قيما (ق و م) ومعناه: أصل يدل على انتصاب الشىء إلى أعلى ثابتا. ويتفرع من هذا الأصل معانٍ وافرة؛ منها -على ما ورد في معاجم اللغة- : ۞﴿قَيِّمًا﴾ أى مصلحا وحافظا وسائسا لأمورهم:  كقوله تعالى: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ﴾ لأَنهم قائمون على مصالحهن، مُتكفِّلون بأُمورهن، مَعْنِيُّون بشؤونهن؛ وكقوله: ﴿إِلَّا مَا دُمۡتَ عَلَيۡهِ قَآئِمًا﴾ أى ملازما محافظا.  وَمِنْهُ قِيلَ...

سورة الكهف (وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَا)

سورة الكهف ﴿ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَا ﴾ الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا... والصلاة والسلام على من جعلت له السموات العلا معرجا... وبعد،  فقد وصف الله عز وجل كتابه في سورة الكهف بقوله ﴿وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَا﴾، ومعناه: نَفْىُ تطرق العوج إليه فَ﴿لَّا يَأۡتِيهِ ٱلۡبَٰطِلُ مِنۢ بَيۡنِ يَدَيۡهِ وَلَا مِنۡ خَلۡفِهِۦۖ تَنزِيلٌ مِّنۡ حَكِيمٍ حَمِيدٖ (42) ﴾، ونَفْىُ عوج الآثار المترتبة على اتباعه والاستمساك بهديه؛ فإن هذا القرآن لايعوج بصاحبه عن بلوغ المقاصد من أقصر الطرق وأوضحها وأخصرها؛ كما قال سبحانه: ﴿فَمَنِ ٱتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشۡقَىٰ (123) ﴾، وَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِيِّ رضى الله عنه قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ  ﷺ ، فَقَالَ:  «أَبْشِرُوا وَأَبْشِرُوا، أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ؟ » قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: «فَإِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ، وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ، فَتَمَسَّكُوا بِهِ، فَإِنَّكُمْ لَنْ تَضِلُّوا، وَلَنْ  تَهْلِكُوا ...

سورة الكهف ونظرة في معنى ﴿ٱلۡكِتَٰب﴾

  سورة‭ ‬الكهف‭ ‬ ونظرة‭ ‬في‭ ‬معنى   ﴿ ٱلۡكِتَٰب ﴾ الحمد لله الذي أنزل إلينا الكتاب مباركا مفصلا... والصلاة والسلام على المختار للمجد كعبة، صلاة تباري الريح مسكا ومَنْدَلا ... وبعد، قال الفيروز آبادي –رحمه الله- في بصائر ذوي التمييز: اعلم أَنَّ كثرة الأسماء تدلّ على شرف المسمَّى، أَو كمالِه فى أَمر من الأمور.   أَما ترى أَن كثرة أَسماءِ الأسد دلَّت على كمال قوُّته، وكثرةَ أَسماء القيامة دلَّت على كمال شدته وصعوبته، وكثرة أَسماء الدَّاهية دلت على شِدة نِكايتها. وكذلك كثرة أَسماء الله تعالى دلَّت على كمال جلال عظمته؛ وكثرة أَسماء النبى  ﷺ  دَلَّت على علّو رتبته، وسموِّ درجته. وكذلك كثرة أَسماء القرآن دلَّت على شرفه، وفضيلته. -انتهى كلامه- و ﴿ ٱلۡكِتَٰبَ ﴾ هو أول ما استفتح الله به تسمية القرآن في سورة الكهف، بل وفي القرآن المجيد حيث قال سبحانه: ﴿ ذَٰلِكَ ٱلۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَ فِيهِ ﴾ . وكلمة (كتاب) مشتقة من مادة (ك ت ب)، ومعنى هذا التركيب: إلصاق وجمع بدقة وقوة.. ومن ذلك: الكتابة المعروفة؛ فهى إلصاق الكلام بتثبيت رموزه في وجه مادة قوية: حجر أو جلد.. إثباتا قويا ت...

شيخي بين الرثاء والوفاء

شيخي بين الرثاء والوفاء قال الله عز وجل: ﴿ وَبَشِّرِ ٱلصَّٰبِرِينَ ‮(٥٥١)  ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتۡهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوٓاْ إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيۡهِ رَٰجِعُونَ ‮ ‮(٦٥١) ‬ أُوْلَٰٓئِكَ عَلَيۡهِمۡ صَلَوَٰتٌ مِّن رَّبِّهِمۡ وَرَحۡمَةٌۖ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُهۡتَدُونَ ‮ ‮(٧٥١) ‬ ﴾ ولا ريب أن موت العالِم فاجعة عظمى، مؤذن باقتراب الطامة الكبرى؛ فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ‮«‬ إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ: أَنْ يُرْفَعَ العِلْمُ، وَيَثْبُتَ الجَهْلُ، وَيُشْرَبَ الخَمْرُ، وَيَظْهَرَ الزِّنَا" وفي رواية "ويكثر الجهل" وفي ثالثة "ويظهر الجهل ‮»‬ (صحيح الإمام البخاري) وظهور الجهل بقبض العلم، وقبض العلم بموت العالِمِ؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: ‮«‬ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ العِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ ...