سورة الكهف ومعنى الحِرْز

سورة الكهف
ومعنى الحِرْز

الحمد للهِ حكيمِ الفعال، شديدِ المحال، ذي الطول لا إله إلا هو إليه المآل...
والصلاة والسلام على نبىِّ الكمال، زكىِّ الخصال، فصيحِ المقال...
وبعد؛

فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه منْ حديث أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ ﷺ قَالَ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ».

ولسائل أن يقول: ما وجه اختصاص سورة الكهف بالعصمة من الدجال دون غيرها، ثم ما وجه تخصيص العشر الأُوَل منها بذلك؟
 وحتى نخلص إلى شىء من وجه الحكمة في ذلك لابد من معرفة:

أولا: معنى الحرز: 

قال ابن فارس في مقاييس اللغة: الحاء والراء والزاء أصل واحد، وهو من الحفظ والتحفظ.

وقال ابن منظور في لسان العرب -بتصرف يسير-:
الحِرْز: الْمَوْضِعُ الْحَصِينُ. يُقَالُ: هَذَا حِرْزٌ حَرِيزٌ. والحِرْزُ: مَا أَحْرَزَك مِنْ مَوْضِعٍ وَغَيْرِهِ؛ تَقُولُ: هُوَ فِي حِرْزٍ لَا يُوصَل إِليه.
 وَفِي حَدِيثِ يأَجوج ومأْجوج: فَحَرِّزْ عِبَادِي إِلى الطُور أَي ضُمَّهم إِليه وَاجْعَلْهُ لَهُمْ حِرْزاً.
 يُقَالُ: أَحْرَزْت الشَّيْءَ أُحْرِزُه إِحْرازاً إِذا حَفِظْتَهُ وَضَمَمْتَهُ إِليك وصُنْتَه عَنِ الأَخذ. وَفِي حَدِيثِ الدُّعَاءِ:
اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا فِي حِرْزٍ حارِزٍ: أَي كَهْفٍ مَنِيع، وَيُسَمَّى التّعْويذُ حِرْزاً. واحْتَرَزْتُ مِنْ كَذَا وتَحَرَّزْتُ أَي تَوَقَّيْتهُ. وأَحْرَزَ الشيءَ فَهُوَ مُحْرَز وحَرِيزٌ: حازَه. والحِرْزُ: مَا حِيزَ مِنْ مَوْضِعٍ أَو غَيْرِهِ أَو لُجِئَ إِليه، وَالْجَمْعُ أَحْراز، وأَحْرَزَني المَكانُ وحَرَّزَني: أَلْجَأَني؛ واحْتَرَزَ مِنْهُ وتَحَرَّزَ: جَعَلَ نَفْسَهُ فِي حِرْزٍ مِنْهُ؛ وَمَكَانٌ مُحْرِزٌ وحَرِيزٌ، وَقَدْ حَرُزَ حَرازَةً وحَرَزاً.

 ثانيا: محورية معنى الحرز في سورة الكهف:

ففي تسمية السورة بهذا الاسم إشارة واضحة لمعنى الحرز، لأن الكهف كان للفتية حصنا حصينا، وملجأ أمينا، عصمهم الله به من فتنة قومهم شركا وترفا.

وكذلك في إمداد الشمس لهم بحسبان، وتقليبهم ذات اليمين وذات الشمال؛ حرز لهم من تحلل الأبدان.
وقوله تعالى ﴿وَكَلۡبُهُم بَٰسِطٞ ذِرَاعَيۡهِ بِٱلۡوَصِيدِۚ﴾ يشير لكون الكلب كان حرزا للفتية من دُنُوِّ أحد منهم.
قال الإمام ابن كثير في التفسير: (رَبَضَ كَلْبُهُمْ عَلَى الْبَابِ كَمَا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْكِلَابِ.قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَحْرُسُ عَلَيْهِمُ الْبَابَ. وَهَذَا مِنْ سَجِيَّتِهِ وَطَبِيعَتِهِ، حَيْثُ يَرْبِضُ بِبَابِهِمْ كَأَنَّهُ يَحْرُسُهُمْ، وَكَانَ جُلُوسُهُ خَارِجَ الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ -كَمَا وَرَدَ فِي الصَّحِيحِ - وَلَا صُورَةٌ وَلَا جُنُب وَلَا كَافِرٌ-كَمَا وَرَدَ بِهِ الْحَدِيثُ الْحَسَنُ-) انتهى.

ومن أحراز السورة قوله تعالى: ﴿وَٱذۡكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾[الآية 24]، فذكر الله حرز من النسيان، قال الإمام ابن كثير: (لِأَنَّ النِّسْيَانَ مَنْشَؤُهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، كَمَا قَالَ فَتَى مُوسَى: ﴿وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ﴾ [الْكَهْفِ: 63] وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يَطْرُدُ الشَّيْطَانَ، فَإِذَا ذَهَبَ الشَّيْطَانُ ذَهَبَ النِّسْيَانُ، فَذِكْرُ اللَّهِ سَبَبٌ لِلذِّكْرِ ؛ وَلِهَذَا قَالَ: ﴿وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾. انتهى
وفي معنى الحرز يجيء قوله جل شأنه: ﴿وَٱتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَٰتِهِۦ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدًا٢٧﴾ 
يقول الإمام الطبري في تفسيره: (يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ ﷺ: وَاتَّبَعْ يَا مُحَمَّدُ مَا أُنْزَلَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ هَذَا، وَلَا تَتْرُكَنَّ تِلَاوَتَهُ وَاتِّبَاعَ مَا فِيهِ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ، وَالْعَمَلِ بِحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، فَتَكُونُ مِنَ الْهَالِكِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ مَصِيرَ مَنْ خَالَفَهُ، وَتَرَكَ اتِّبَاعَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى جَهَنَّمَ {لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} يَقُولُ: لَا مُغَيِّرَ لِمَا أَوْعَدَ بِكَلِمَاتِهِ الَّتِي أَنْزَلَهَا عَلَيْكَ أَهْلَ مَعَاصِيهِ، وَالْعَامِلِينَ بِخِلَافِ هَذَا الْكِتَابِ الَّذِي أَوْحَيْنَاهُ إِلَيْكَ، وَقَوْلُهُ: ﴿وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا﴾ [الكهف: 27] يَقُولُ: وَإِنْ أَنْتَ يَا مُحَمَّدُ لَمْ تَتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ فَتَتْبَعُهُ وَتَأْتَمُّ بِهِ، فَنَالَكَ وَعِيدُ اللَّهِ الَّذِي أَوْعَدَ فِيهِ الْمُخَالِفِينَ حُدُودَهُ، لَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَوْئِلًا تَئِلُ إِلَيْهِ وَمَعْدِلًا تَعْدِلُ عَنْهُ إِلَيْهِ، لِأَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ مُحِيطَةٌ بِكَ وَبِجَمِيعِ خَلْقِهِ، لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى الْهَرَبِ مِنْ أَمْرٍ أَرَادَ بِهِ). انتهى

وفي هذه الآية دلالة على أن تلاوةَ القرآن واتباعَ أحكامه حرزٌ لتاليه من أنواع الشرور؛ كقوله تعالى: ﴿وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا٤٥﴾ [الإسراء: 45]، وكقوله: ﴿وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلَا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ35﴾ [القصص: 35]، وذلك لأن التالي قد نزل في رحاب الملك الأعظم، مستمسكا بحبله الأقوم، فهو في جوار عزيز، وحرز حريز، ولذا كان شعارُ التلاوة الاستعاذةَ ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ98﴾ [النحل: 98].

ومن معاني الحرز في سمط لآلئ سورة الكهف قوله سبحانه: ﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ﴾ [الآية 28]، فالذكر في الغداة -من بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس- حرز لليوم، والذكر في العشى –من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس- حرز لليلة، وفي الحديث أَنَّ رَسُولَ ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْحَى إِلَى يَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّا بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ أَنْ يَعْمَلَ بِهِنَّ وَيَأْمُرَ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنْ يَعْمَلُوا بِهِنَّ...-ثم ذكر منها-...وَأَمَرَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ كَثِيرًا وَمَثَلُ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِرَاعًا فِي أَثَرِهِ حَتَّى أَتَى حِصْنًا حَصِينًا فَأَحْرَزَ نَفْسَهُ فِيهِ، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ لَا يَنْجُو مِنَ الشَّيْطَانِ إِلَّا بِذِكْرِ اللَّهِ» رواه الإمام أحمد والترمذي بسند صحيح.
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «لَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ، مِنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ وَلَأَنْ أَقْعُدَ مَعَ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى، أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ أَحَبُّ إِلَيَّ مَنْ أَنْ أَعْتِقَ أَرْبَعَةً» رواه أبو داود في سننه، وحسنه الألباني.

وقال عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما: وذكر الله بالغداة والعشى أفضل من حطم السيوف فى سبيل الله وإعطاء المال سحًا.

ومن معاني الحرز في السورة الكريمة قوله تعالى في خبر صاحب الجنتين: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا32﴾، فقد أثبت العلم الحديث أهمية وضع سياج حول مزارع العنب لحمايتها من عوامل التعرية والعواصف الشديدة التي قد تؤدي إلى تحطمها، بشرط عدم منع هذا السياج للضوء من الوصول إلى تلك المزارع، نظرا لحاجتها إليه؛ لذا قال الحكيم العليم: ﴿وَحَفَفۡنَٰهُمَا بِنَخۡلِ﴾، وقال بعدها ﴿وَجَعَلۡنَا بَيۡنَهُمَا زَرۡعًا32﴾ وهو ما يسمى بزراعة محاصيل التغطية، لما لها من الأهمية في حفظ جذور النباتات من التعرض المباشر للحرارة والضوء، ثم قال سبحانه: ﴿وَفَجَّرۡنَا خِلَٰلَهُمَا نَهَرًا33﴾ وذلك لمسيس حاجة مزارع العنب إلى الماء، لا سيما وأن بزوغ ثمره يكون في فصل الصيف بحيث لا يمكن الاعتماد في زراعته على ماء الأمطار، فكان تفجير النهر خلالهما حرزا للجنتين من الجفاف والإتلاف. 
بل إن الله سبحانه وتعالى لما أخبر عن إهلاك الجنتين كان بلفظ ﴿وَأُحِيطَ﴾؛ لأن الإحاطة بالشيء تعني: الإحداق به (كالحائط الذي تحاط به الدار فتحدق به) وهذا أصل في معنى الحرز؛ لأن الحرز: إحاطة حماية، وهذه إحاطة إهلاك؛ إشارة لقوله سبحانه: ﴿وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِۦ مُلۡتَحَدًا٢٧﴾، وذلك في مقابلة احتراز صاحب الجنتين بالسراب والخراب إذ يقول: ﴿أَنَاْ أَكۡثَرُ مِنكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا34﴾ يحسب أن ماله أخلده!

ويلاحظ مثل هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿إِنَّآ أَعۡتَدۡنَا لِلظَّٰلِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمۡ سُرَادِقُهَا﴾ فالسرادق: ما أحاط بالشىء من جميع جهاته، قال ابن عباس رضى الله عنهما: حائط من نار، فكان هذا السرادق حرزا جهنميا يمنع خروجهم منها؛ كقوله جل شأنه: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ37﴾ [المائدة: 37]، وكقوله: ﴿كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ22﴾ [الحج: 22] 

ولما كانت الجبال حرزا للأرض عن التحرك والاضطراب مدة الحياة الدنيا ،كما قال الله تقدست أسماؤه: ﴿وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ15﴾ [النحل: 15] ﴿وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ31﴾ [الأنبياء: 31]؛ كان دكُّ الجبال وبَسُّها على إثر الزلزال الأكبر مؤذنا بفناء دار الأسباب، لذا أشار سبحانه إلى قيام الساعة وزلزلتها بزوال ذلك الحرز فقال:
﴿وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا47﴾[الكهف: 47].

وفي التعبير بقوله: ﴿وَحَشَرۡنَٰهُمۡ فَلَمۡ نُغَادِرۡ مِنۡهُمۡ أَحَدًا47﴾ -أى فلم نترك منهم أحدا- دلالة على معنى الحرز كما تقدم في التعريف (يُقَالُ: أَحْرَزْت الشَّيْءَ أُحْرِزُه إِحْرازاً إِذا حَفِظْتَهُ وَضَمَمْتَهُ إِليك وصُنْتَه عَنِ الأَخذ)، كقوله سبحانه:﴿لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا94﴾[مريم: 94]

وفي معنى حرز أعمال العباد تجيء الآية بعدها ﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِينَ مُشۡفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَٰوَيۡلَتَنَا مَالِ هَٰذَا ٱلۡكِتَٰبِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّآ أَحۡصَىٰهَا وَوَجَدُواْ مَا عَمِلُواْ حَاضِرًاۗ ...49﴾ قال الإمام ابن كثير في التفسير: (وَقَوْلُهُ: ﴿وَوُضِعَ الْكِتابُ﴾ أَيْ كِتَابُ الْأَعْمَالِ الَّذِي فِيهِ الْجَلِيلُ وَالْحَقِيرُ، وَالْفَتِيلُ وَالْقِطْمِيرُ، وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ، فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ أَيْ مِنْ أَعْمَالِهِمُ السَّيِّئَةِ وَأَفْعَالِهِمُ الْقَبِيحَةِ وَيَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا أَيْ يَا حَسْرَتَنَا وَوَيْلَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِي أَعْمَارِنَا مالِ هذَا الْكِتابِ لَا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصاها أَيْ لَا يَتْرُكُ ذَنْبًا صَغِيرًا وَلَا كَبِيرًا وَلَا عَمَلًا وَإِنْ صَغُرَ، إِلَّا أَحْصَاهَا، أَيْ ضَبَطَهَا وَحَفِظَهَا). انتهى 

وتتجلى أهمية كون الأثر حرزا من عوج الضلال في قول الله تعالى عن سيدنا موسى وفتاه عليهما السلام: ﴿فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا64﴾، وفيه إشارة قامعة، وبينة قاطعة على ضلال الذين يتبعون الأهواء، ولم يستجيبوا لصفوة الأنبياء ﷺ؛ إذ كيف يهديك السبيل من لا أثر له، ولا دليل؟! ﴿فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَٱعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ ٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدًى مِّنَ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهۡدِي ٱلۡقَوۡمَ ٱلظَّٰلِمِينَ50﴾، ﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثۡلُ خَبِيرِ14﴾.
وحول معنى الحرز جاءت فعال الخضر عليه السلام: فكان خرق السفينة حرزا من غصب الملك، وقتل الغلام حرزا لوالديه من رهق الطغيان والكفر، وبناء الجدار حرزا لكنز اليتيمين من نهب أهل القرية. 

ويختتم السياق بتوكيد هذا المعنى مُمثَّلا في بناء ذي القرنين ردم يأجوج ومأجوج ليكون حرز رحمة لأهل الأرض من شرهم وبغيهم حتى يجيء وعد الله جل وعلا.
وأول الدلالات على محورية هذا المعنى في السورة المكرمة: اسم السورة ذاته، يقال فلان كهف فلان أى ملجأ، ويقال فلان كهف أهل الريب إذا كانوا يلوذون به فيكون وَزَرًا وملجأ لهم.
وبهذا العرض يتضح كون معنى الحرز جوهريا أصيلا في سورة الكهف؛ ولكن يبقى السؤال ما وجه كون العشر الفواتح منها حرزا من الدجال-لعنه الله-؟


وهذا الجواب لا ينكشف غطاؤه إلا باقتفاء الآثار الواردة على لسان سيد المصطفين الأخيار ﷺ، ثم مقابلة هذه الآثار على متن الفواتح العشر؛ لبيان ما بينهما من تلازم وترابط...


وإليك البيان -والله المستعان، وعليه البلاغ والتكلان- :

الآية الأولى ودلالات الحرز فيها:
﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ ٱلَّذِيٓ أَنزَلَ عَلَىٰ عَبۡدِهِ ٱلۡكِتَٰبَ وَلَمۡ يَجۡعَل لَّهُۥ عِوَجَاۜ1﴾

أخرج الإمام أحمد في المسند: عَنْ مُطَرِّفٍ قَالَ: قَالَ لِي عِمْرَانُ إِنِّي لَأُحَدِّثُكَ بِالْحَدِيثِ الْيَوْمَ لِيَنْفَعَكَ اللهُ بِهِ بَعْدَ الْيَوْمِ، اعْلَمْ أَنَّ خَيْرَ عِبَادِ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْحَمَّادُونَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَنْ تَزَالَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ نَاوَأَهُمْ حَتَّى يُقَاتِلُوا الدَّجَّالَ. إسناده صحيح على شرط الشيخين.
وأخرجه الطبراني عن عمران يرفعه إلى النبى ﷺ، قال: «إن أفضل عباد الله يوم القيامة الحمادون، ثم لاتزال طائفة من أمتي يقاتلون من ناوأهم من أهل الشرك حتى يقاتلوا الدجال».
 
والملحظ من الروايتين: ذكر صفة الحمد في مقابلة مقاتلة الدجال الذي هو أصل الكفر، بما دلت عليه الكتابة بين عينيه على طريقة المعاجم في كتابة أصول الاشتقاقات ومصادرها، فقد قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ، ثُمَّ تَهَجَّاهَا ك ف ر يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ». (صحيح مسلم) 
 
وهذا التقابل بين الحمد والكفر، دليل على كون الحمد حرزا من الدجال، ولذا قرن بينهما في الحديث.
 
كما أن الحمد يعد حرزا من الجوع في زمن الدجال، فقد أخرج الحاكم وابن ماجة وابن خزيمة والضياء وصححه الشيخ الألباني في الجامع من حديث أبي أمامة أن النبى ﷺ قال«...وإنَّ قبل خروج الدجال ثلاث سنوات شداد يصيب الناس فيها جوع شديد، يأمر الله السماء السنة الأولى أن تحبس ثلث مطرها، ويأمر الأرض أن تحبس ثلث نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثانية فتحبس ثلثي مطرها، ويأمر الأرض فتحبس ثلثي نباتها، ثم يأمر السماء في السنة الثالثة فتحبس مطرها كله فلا تقطر قطرة، ويأمر الأرض فتحبس نباتها كله فلا تنبت خضراء، فلا يبقى ذات ظِلْفٍ (ظُفُر) إلا هلكت إلا ما شاء الله، قيل: فما يُعَيِّشُ الناس في ذلك الزمان؟ قال: التهليل والتكبير والتحميد ويجزئ ذلك عليهم مجزأة الطعام»، وعند أحمد بلفظ :«يَكْفِي الْمُؤْمِنِينَ مِنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ يَوْمَئِذٍ: التَّكْبِيرُ، وَالتَّسْبِيحُ، وَالتَّحْمِيدُ»
 
وجه كون هذه الكلمات حرزا من الدجال:
 
أما التهليل –قول لا إله إلا الله- فإثبات الألوهية الحقة لله جل وعلا في مقابلة زعم الدجال التَّأَلُّه.
وأما التسبيح –قول سبحان الله- فتنزيه لله عن مثل السوء ووصف النقص، فعند أبي داود وصححه الألباني عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ: «إِنِّي قَدْ حَدَّثْتُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ حَتَّى خَشِيتُ أَنْ لَا تَعْقِلُوا، إِنَّ مَسِيحَ الدَّجَّالِ رَجُلٌ قَصِيرٌ، أَفْحَجُ ، جَعْدٌ، أَعْوَرُ مَطْمُوسُ الْعَيْنِ، لَيْسَ بِنَاتِئَةٍ، وَلَا حَجْرَاءَ، فَإِنْ أُلْبِسَ عَلَيْكُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»
 
(أفحج: متباعد ما بين الفخذين، جعد: خشن شعر الرأس، ناتئة: بارزة، ولا حجراء: ليست صلبة ولا متحجرة، ورويت بتقديم الجيم ولا جحراء: من الجحر أى ليست غائرة)
 
وكذلك التسبيح تنزيه له سبحانه أن تراه عين في الدنيا، لذا قال رسول الله ﷺ وهو يحذر من فتنة الدجال: «تعلمون أنه لن يرى أحد منكم ربه عز وجل حتى يموت». أخرجه مسلم
وأما التكبير –قول الله أكبر- فحرز في مقابلة عِظَمِ وكِبَرِ فتنة الدجال –لعنه الله- ، قال النبى ﷺ: «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ خَلْقٌ أَكْبَرُ مِنَ الدَّجَّالِ» (صحيح مسلم) ، وفي مصنف ابن أبي شيبة بلفظ «مَا بَيْنَ خَلْقِ آدَمَ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ فِتْنَةٌ أَكْبَرُ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ»؛ بَيَدَ أنَّ من اعتصم بالله لم تضره تلك الفتنة الصماء، فقد قال النبى ﷺ: «إِنَّ مِنْ بَعْدِكُمُ الْكَذَّابَ الْمُضِلَّ، وَإِنَّ رَأْسَهُ مِنْ بَعْدِهِ حُبُكٌ حُبُكٌ حُبُكٌ - ثَلَاثَ مَرَّاتٍ - وَإِنَّهُ سَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَمَنْ قَالَ: لَسْتَ رَبَّنَا، لَكِنَّ رَبَّنَا اللهُ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْهِ أَنَبْنَا، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكَ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ». رواه الإمام أحمد بسند صحيح
(حُبُك: جعد متكسر)
 
ومن معاني التكبير تهوين فتنته، وتحقير شأنه في جنب الملك الأعلى جل جلاله، ويشهد لذلك ما أخرجه الإمامان البخاري ومسلم، واللفظ لمسلم: عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: مَا سَأَلَ رَسُولَ اللهِ ﷺ أَحَدٌ عَنِ الدَّجَّالِ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ لِي: «أَيْ بُنَيَّ وَمَا يُنْصِبُكَ مِنْهُ؟ إِنَّهُ لَنْ يَضُرَّكَ» قَالَ قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعَهُ أَنْهَارَ الْمَاءِ وَجِبَالَ الْخُبْزِ، قَالَ: «هُوَ أَهْوَنُ عَلَى اللهِ مِنْ ذَلِكَ».
 
ثم يكون التحميد –قول الحمد لله- شكرا لله على العصمة وتهوين الفتنة، مع ما تقدم من كون الحمد -الذي هو اعتراف بالمنة- حرزا في مقابلة الكفر -الذي هو جحد للنعمة-.
 
كما أن في التحميد دليلا على أن التهليل والتسبيح والتكبير قد حصل به الشبع كما يحصل من جراء الطعام. (وهذا المعنى –معنى الشبع- أفاده صاحب كتاب علامات الساعة دراسة تحليلة –رحمه الله تعالى-)
 لذا كان استفتاح السورة بالحمد يشير ضمنيا إلى التهليل والتسبيح والتكبير؛ إذ أن التحميد يشتمل على المعاني الثلاثة، فهو سبحانه محمود لإلهيته، ومحمود لانتفاء النقص عنه سبحانه، محمود لكماله وكبريائه جل شأنه، ولذا كان مطلع القرآن ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ﴾
 
كما أنه وردت الإشارة لهذا الحرز بتلك الأربع في آية ﴿وَٱلۡبَٰقِيَٰتُ ٱلصَّٰلِحَٰتُ خَيۡرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيۡرٌ أَمَلًا46﴾ فقد أخرج الإمام الطبري في تفسيره عن ابن عباس وابن عمر وعثمان رضى الله عنهم أنها: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر.
 
ثم تتجلى الإشارة إلى الحرز الثاني في الآية؛ وهو شخص رسول الله ﷺ: المتمثِّل في قول الله تعالى: ﴿عَلَىٰ عَبۡدِهِ﴾، وهو ما يوافق قوله ﷺ:  «إِنْ يَخْرُجْ –يعني الدجال- وَأَنَا فِيكُمْ، فَأَنَا حَجِيجُهُ دُونَكُمْ». صحيح مسلم (حجيجه: محاججه ومغالبه بإظهار الحجة عليه، والحجة: الدليل والبرهان)، وهو كقوله ﷺ: «وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي» أي أمان وحرز لهم من الفتن. 
 
ثم الحرز الثالث فيها، وهو ﴿ٱلۡكِتَٰبَ﴾: إشارة لقوله ﷺ: «...وَإِنْ يَخْرُجْ وَلَسْتُ فِيكُمْ، فَامْرُؤٌ حَجِيجُ نَفْسِهِ وَاللهُ خَلِيفَتِي عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ»؛ وذلك معنى قوله ﷺ: «مَنْ حَفِظَ عَشْرَ آيَاتٍ مِنْ أَوَّلِ سُورَةِ الْكَهْفِ عُصِمَ مِنَ الدَّجَّالِ»، وقوله: «فمن أدركه منكم فيقرأ عليه فواتح سورة الكهف».
 
وقد قرن رسول الله ﷺ بين كونه حرزا لأمته وبين حرازة كتاب الله لهم؛ فقال ﷺ:«أَلَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَنِي رَسُولُ رَبِّي -عَزَّ وَجَلَّ- فَأُجِيبُ، وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ، أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ، فَخُذُوا بِكِتَابِ اللهِ تَعَالَى، وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ...». (صحيح رواه الإمام أحمد في مسنده)
 
الآيتان الثانية والثالثة والدلالة الإشارية فيهما على فتنة الدجال
﴿قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا(2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا(3)
 
 قوله تعالى: ﴿لِّيُنذِرَ بَأۡسًا شَدِيدًا مِّن لَّدُنۡهُ﴾ قال ابن بَرَّجان في تفسيره: (ويمكن أن تكون النذارة بالبأس متوجهة إلى بأسه بالدجال –لعنه الله- وهو الأظهر لإضافة البأس إلى أنه من لدنه، فإنه جلَّ ذكره هو الذي يُقْدِرُهُ –أى أن الله يجعل الدجال قادرا- على ما يكون في أيامه من ظهور القدرة، وكون المقدور الغائب فتنة لكل مفتون-نعوذ بالله من فتنته وشره-، وكذلك هو الأظهر في قوله: ﴿وَيُبَشِّرَ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرًا حَسَنًا2 مَّٰكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا3﴾ أنهم الصابرون من عباد الله يومئذ، القائمون على أمره، حتى يأتي الله بأمره هذا على الخصوص، ويدخل الكل ممن آمن بالله وعمل الصالحات في ذلك بحكم العموم). انتهى

الآيتان الرابعة والخامسة والدلالة الإشارية فيهما على أتباع الدجال
﴿وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا(4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ  كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ  إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا(5)

قوله سبحانه ﴿وَيُنذِرَ ٱلَّذِينَ قَالُواْ ٱتَّخَذَ ٱللَّهُ وَلَدًا4﴾ فيه إشارة لليهود الذين يزعمون أن عزيرا ابن الله –تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا-، والذين هم أكثر أتباع الدجال يومئذ؛ قال النبى ﷺ: «يتبع الدجال من يهود أصبهان سبعون ألفا عليهم الطيالسة». (صحيح مسلم)  
قوله تعالى: ﴿إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا5﴾ إشارة لما بين يدى فتنة الدجال من سنوات خداعات تكون مهادا لخروجه، فقد أخرج الإمام أحمد بسند حسن عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضى الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَمَامَ الدَّجَّالِ سِنِينَ خَدَّاعَةً، يُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيَتَكَلَّمُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ». قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: «الْفُوَيْسِقُ يَتَكَلَّمُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ»

الآية السادسة وحرز الإيمان بالقدر
﴿فَلَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ إِن لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ بِهَٰذَا ٱلۡحَدِيثِ أَسَفًا64﴾

  • تسلية لرسول الله ﷺ بالاستسلام لقدر الله ومشيئته ﴿مَن يَشَإِ ٱللَّهُ يُضۡلِلۡهُ وَمَن يَشَأۡ يَجۡعَلۡهُ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾
  • أما الدلالة على كون الإيمان بالقدر حرزا من الدجال: ما رواه أبو داود الطيالسي عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «سَيَكُونُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ يَقُولُونَ: لَا قَدَرَ؛ فَإِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ مَاتُوا فَلَا تَشْهَدُوهُمْ؛ فَإِنَّهُمْ شِيعَةُ الدَّجَّالِ، وَحَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُلْحِقَهُمْ بِهِ».
الآيتان السابعة والثامنة والتوطأة لفتنة الدجال
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا7 وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا8﴾
  • قوله تعالى: ﴿إِنَّا جَعَلۡنَا مَا عَلَى ٱلۡأَرۡضِ زِينَةً لَّهَا﴾ أى فتنة وامتحانا ﴿لِنَبۡلُوَهُمۡ أَيُّهُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلًا7﴾ قال الإمام الطبرى: (لِنَخْتَبِرَ عِبَادَنَا أَيُّهُمْ أَتْرَكُ لَهَا وَأَتْبَعُ لِأَمْرِنَا وَنُهِينَا وَأَعْمَلُ فِيهَا بِطَاعَتِنَا)، وفي الحديث «إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ، فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ»، والاتقاء هو الترك مع الحذر.
  • والدلالة الإشارية في هذه الآية على الدجال: قول النبى ﷺ: «...وما صنعت فتنة منذ كانت الدنيا صغيرة ولا كبيرة إلا لفتنة الدجال» (صحيح، رواه الإمام أحمد في المسند) ، ويفسر الرابط بين فتنة الدجال وبين فتنة النساء قول النبى ﷺ: «...فيكون أكثر من يخرج إليه النساء»، وكذلك ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: «أَكْثَرُ أَتْبَاعِ الدَّجَّالِ الْيَهُودُ وَأَوْلَادُ الْمُومِسَاتِ»، لذا كان ظهور الزنا من أشراط الساعة الموطأة لظهور الدجال.
  • أما الرابط بين فتنة الدنيا وفتنة الدجال: فكونه يخرج في سنوات جَهْدٍ وجَدْبٍ ومجاعة، يأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، وتتبعه كنوز الأرض كيعاسيب النحل (كجماعة النحل)، معه واديان: أحدهما جنة ،والآخر نار، فناره جنة، وجنته نار، لذا قال النبى ﷺ: «فاتقوا الدنيا» لأن من لم يوطن نفسه بالكفِّ عن شهواتها، والحبس عن ملذاتها، سيخونه صبره أحوج ما يكون إليه حين تعرض عليه شهوات الدجال.
الآيتان التاسعة والعاشرة وأوجه المشاكلة
﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا9 إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا10﴾

فبين خبر فتية الكهف وبين فتنة الدجال مشاكلة وترابط؛ من ذلك:

تعطيل أثر الزمن في الفتية، فمرت عليهم تسع وثلاثمائة سنة ولم يتغير من أبدانهم شىء، وهذا يتفق مع كون الدجال حيًّا ولا يعمل فيه الزمان عمله من تنكيس الخلق، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه أن تميما الداري حَدَّث النبىَّ ﷺ «أَنَّهُ رَكِبَ فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، مَعَ ثَلَاثِينَ رَجُلًا مِنْ لَخْمٍ وَجُذَامَ، فَلَعِبَ بِهِمِ الْمَوْجُ شَهْرًا فِي الْبَحْرِ، ثُمَّ أَرْفَئُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ حَتَّى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَجَلَسُوا فِي أَقْرُبِ السَّفِينَةِ فَدَخَلُوا الْجَزِيرَةَ فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ، مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: أَيُّهَا الْقَوْمُ انْطَلِقُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ، قَالَ: لَمَّا سَمَّتْ لَنَا رَجُلًا فَرِقْنَا مِنْهَا أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا سِرَاعًا، حَتَّى دَخَلْنَا الدَّيْرَ، فَإِذَا فِيهِ أَعْظَمُ إِنْسَانٍ رَأَيْنَاهُ قَطُّ خَلْقًا، وَأَشَدُّهُ وِثَاقًا، مَجْمُوعَةٌ يَدَاهُ إِلَى عُنُقِهِ، مَا بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى كَعْبَيْهِ بِالْحَدِيدِ، قُلْنَا: وَيْلَكَ مَا أَنْتَ؟ قَالَ: قَدْ قَدَرْتُمْ عَلَى خَبَرِي، فَأَخْبِرُونِي مَا أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ أُنَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ رَكِبْنَا فِي سَفِينَةٍ بَحْرِيَّةٍ، فَصَادَفْنَا الْبَحْرَ حِينَ اغْتَلَمَ فَلَعِبَ بِنَا الْمَوْجُ شَهْرًا، ثُمَّ أَرْفَأْنَا إِلَى جَزِيرَتِكَ هَذِهِ، فَجَلَسْنَا فِي أَقْرُبِهَا، فَدَخَلْنَا الْجَزِيرَةَ، فَلَقِيَتْنَا دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لَا يُدْرَى مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقُلْنَا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟ فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قُلْنَا: وَمَا الْجَسَّاسَةُ؟ قَالَتْ: اعْمِدُوا إِلَى هَذَا الرَّجُلِ فِي الدَّيْرِ، فَإِنَّهُ إِلَى خَبَرِكُمْ بِالْأَشْوَاقِ، فَأَقْبَلْنَا إِلَيْكَ سِرَاعًا، وَفَزِعْنَا مِنْهَا، وَلَمْ نَأْمَنْ أَنْ تَكُونَ شَيْطَانَةً، فَقَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ، قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: أَسْأَلُكُمْ عَنْ نَخْلِهَا، هَلْ يُثْمِرُ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، قُلْنَا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ عَيْنِ زُغَرَ، قَالُوا: عَنْ أَيِّ شَأْنِهَا تَسْتَخْبِرُ؟ قَالَ: هَلْ فِي الْعَيْنِ مَاءٌ؟ وَهَلْ يَزْرَعُ أَهْلُهَا بِمَاءِ الْعَيْنِ؟ قُلْنَا لَهُ: نَعَمْ، هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، وَأَهْلُهَا يَزْرَعُونَ مِنْ مَائِهَا، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَبِيِّ الْأُمِّيِّينَ مَا فَعَلَ؟ قَالُوا: قَدْ خَرَجَ مِنْ مَكَّةَ وَنَزَلَ يَثْرِبَ، قَالَ: أَقَاتَلَهُ الْعَرَبُ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: كَيْفَ صَنَعَ بِهِمْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ ظَهَرَ عَلَى مَنْ يَلِيهِ مِنَ الْعَرَبِ وَأَطَاعُوهُ، قَالَ لَهُمْ: قَدْ كَانَ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَإِنِّي مُخْبِرُكُمْ عَنِّي، إِنِّي أَنَا الْمَسِيحُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ، فَأَخْرُجَ فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً - أَوْ وَاحِدًا - مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا، يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا».

كذلك يُعَدُّ اتخاذُ المسجد على الفتية بعد موتهم بدايةً تمهيدية لفتنة الدجال باعتبارين:

الأول: أن اتخاذ القبور مساجد هو مفتتح الشر لأنه ذريعة للشرك الذي يقع بين يدى الساعة؛ وذلك لما يحصل عند هذه القبور من مظاهر شركية تفضي إلى نهاية الشر الذي هو عبادة الأوثان «لا تقوم الساعة حتى تلحق قبائل من أمتي بالمشركين، وحتى يعبدوا الأوثان» (صحيح، رواه الترمذى)، ولذا جمع النبى ﷺ بين هذين الصنفين بقوله « إِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ، وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ» (حديث حسن، مسند الإمام أحمد)،  فمماثلة الوصف –شرار الناس- تدل على مجانسة ومشاكلة بين فعل الفريقين، وأن أولهما يؤدي للآخَر.
وكذلك دل عليه قوله ﷺ: «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح، فمات، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة». (متفق عليه)

الثاني: كون منشأ هذا الفعل من اليهود، الذين هم أكثر أتباع الدجال، قال رسول الله ﷺ: «لعن الله اليهود والنصارى؛ اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد».

ومن أوجه المشاكلة بين فتية الكهف وبين فتنة الدجال: أن موقف المؤمنين من الدجال -الذي أخبر عنه النبى ﷺ بقوله: «ليفرنَّ الناس من الدجال في الجبال» (رواه مسلم) - هو نفس موقف الفتية من قومهم ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا10﴾

وكذلك موقف الفتية حين صدعوا بعقيدتهم في مواجهة قومهم ﴿إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَ مِنْ دُونِهِ إِلَهًا  لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا14﴾ هو نفس موقف الشاب الفتىّ حين يتصدى للدجال فيقول: «رَبِّيَ اللَّهُ، وَأَنْتَ عَدُوُّ اللَّهِ، أَنْتَ الدَّجَّالُ، وَاللَّهِ مَا كُنْتُ بَعْدُ أَشَدَّ بَصِيرَةً بِكَ مِنِّي الْيَوْمَ».

بل إن موقف الفتية هذا -في مواجهة قومهم- يعد مثله حرزا لمن فعله في مواجهة الدجال؛ ففي الحديث «...وَإِنَّهُ سَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَمَنْ قَالَ: لَسْتَ رَبَّنَا، لَكِنَّ رَبَّنَا اللهُ عَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا، وَإِلَيْهِ أَنَبْنَا، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شَرِّكَ؛ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سُلْطَانٌ ». (رواه الإمام أحمد بسند صحيح)، وفي جامع معمر بن راشد بلفظ «...وَإِنَّهُ سَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ، فَمَنْ قَالَ: أَنْتَ رَبِّي افْتُتِنَ، وَمَنْ قَالَ: كَذَبْتَ، رَبِّيَ اللَّهُ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ، فَلَا يَضُرُّهُ، أَوْ قَالَ: فَلَا فِتْنَةَ عَلَيْهِ»
 
وفي ضوء ما تقدم من محورية معنى الحرز في سورة الكهف يتضح  وجه كون السورة حرزا أسبوعيا من فتنة الدجال خاصة ومما دونها عامة؛ إذ لا أعظم من فتنته، فإن كانت السورة المكرمة حرزا من الفتنة الكبرى فهى مما سواها أحرز؛ ففي مصنف عبد الرزاق أن سعيدا الخدري رضى الله عنه قال: «...وَمَنْ قَرَأَ سُورَةَ الْكَهْفِ كَمَا أُنْزِلَتْ، ثُمَّ أَدْرَكَ الدَّجَّالَ لَمْ يُسَلَّطْ عَلَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَيْهِ سَبِيلٌ، وَرُفِعَ لَهُ نُورٌ مِنْ حَيْثُ يَقْرَأُهَا إِلَى مَكَّةَ»، فكانت السورة بكاملها حرزا ممتد الأثر لامتداد معنى الحرز فيها، وكانت العشر الفواتح حرزا مُسْعِفًا حين مواجهة الفتنة الكبرى؛ لما تضمنته من دلالات المطابقة المعنوية وفق ما تقدم ذكره.
 
ثم إن هذه المعارضة للنص القرآني على النص النبوى ترفع عقيرتها ( العقيرة: منتهى الصوت) مناديةً ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَكُمُ ٱلرَّسُولُ بِٱلۡحَقِّ مِن رَّبِّكُمۡ فَ‍َٔامِنُواْ خَيۡرًا لَّكُمۡۚ﴾، وشاهدةً شهادة إيقان وإذعان لقوله ﷺ «ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه». (صحيح؛ رواه الإمامان أحمد والدارمي)

فاللهم يا من ليس له معاجِز
اجعلنا في حرزك الحارِز، ومن حزبك الفائِز،
واكفنا شرَّ كلِّ حاسدٍ وطعنَ كلِّ هامِزٍ ولامِز
وصلِّ اللهم وسلِّم وبارك على خير من ركب المطايا وقطع المفاوِز
والحمد لله رب العالمين

نديم فرج خطاب
صاحب القرآن 

Comments

Popular posts from this blog

سورة الكهف ومنهج التزكية (١) الحمد على الكتاب

لطيفة في الدلالة المعنوية لرسم اللفظ القرآني (صاحبه)

القرآن بين الفطر والأضحى